إدارة الدراسات الإسلامية
EN ع

العقيدة للفصلين الأول والثاني


وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية

إدارة الدراسات الإسلامية

دار القرآن الكريم

 


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى:

{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

صدق الله العظيم

[ سورة آل عمران 18]


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً مباركاً فيه جعل العلم به أساس معرفته.
وصلى الله على محمد معلم البشرية وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد :
لقد بذلت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ممثلة بإدارة الدراسات الإسلامية جهداً كبيراً في سبيل تطوير مناهج دار القرآن الكريم وطرق التدريس فيها إلى الأفضل قاصدة بذلك رضي الله عز وجل ثم مصلحة الدارسين والدراسات لتلقي العلم الصحيح الذي ينفعهم في الدنيا والآخرة.
وهذا مقرر العقيدة للفصل الدراسي الأول نقدمه لإخواننا الدارسين وأخواتنا الدراسات.
وحرصنا ونحن نتناول موضوعاته أن تكون الأفكار التي نطرحها مستقاة من الكتاب والسنة. وأن أي عمل لا يمكن أن يكون كاملاً ما دام جهداً بشرياً ونحن على يقين أن فوق كل ذي علم عليم.
 
والله ولي التوفيق
وزارة الأوقاف – إدارة الدراسات الإسلامية
     دار القرآن الكريم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الفصل الأول
علم التوحيد
تعريفه
مباحثه
أهميته
واجب المربين تجاهه
أصول الإسلام
الإسلام عقيدة وشريعة
العقيدة
الشريعة
منزلة العقيدة
منزلة الشريعة
ارتباط الشريعة بالعقيدة
 
علم التوحيد
تعريفه:
هو العلم الذي يبحث في وجود الله تعالى، وما يجب أن يثبت له من صفات الكمال، وما يجب أن ينفي عنه من صفات النقص، كما يبحث في رسل الله تعالى وإثبات رسالاتهم، وما يجب أن يكونوا عليه من صفات وفي بيان الحياة الآخرة، والملائكة، وموضوع القضاء والقدر.
لماذا سمي بعلم التوحيد:
إن أصل معنى التوحيد: الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى واحد لا شريك له، وسمي العلم الذي يتناول قضايا العقيدة علم التوحيد، لأن أهم مباحثه توحيد الله تعالى، وإفراده بالربوبية والألوهية، وهو جوهر العقيدة الإسلامية وروحها، فمن ترك الأصل من أصول العقيدة، سار في طريق الضلال والضياع.
قال تعالى :
[وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ](1)
مباحث علم التوحيد :
يتناول علم التوحيد الأمور التالية :
1- الإيمان بالله تعالى وتوحيده، ومعرفة أدلة وجوده، وصفاته وأفعاله، والرد على المعارضين من المشركين والكافرين، والملحدين بحجج عقلية مقنعة.
2- الإيمان بالرسل وما يجب لهم من صفات الصدق والأمانة، والإخلاص والتبليغ والفطانة...، وما يستحيل في حقهم من المعاصي والآثام، وما يتبع ذلك من الإيمان بالكتب السماوية المنزلة على الرسل، وهي التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، وما اعترى الكتب السماوية التي سبقت القرآن من تحريف، وما أصابها من تغيير وتبديل، ثم ما امتاز به القرآن الكريم عليها من إعجاز وحفظ، وتشريع وشمول، وإقامة الحجج على ذلك.
3-     الإيمان بالملائكة، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، ومناقشة أقوال المفكرين والرد عليها بأسلوب عقلي مقنع.
أهمية علم التوحيد :
لقد سلك القرآن الكريم منهجاً خاصاً في تناول قضايا التوحيد، فلم يطلب التسليم بها لمجرد ورودها في القرآن الكريم، بل أقام الأدلة والبراهين عليها. وصاح بالعقل البشري صيحة أيقظته من سباته، ونبهته من غفلته؛ فعرض عليه نظام الكون، وما هو عليه من دقة الصنع، وحسن الترتيب ليوقظه ويقوده إلى التفكير السليم، فيما حوله من أرض وسماء، وإنسان وحيوان ونبات، وبحار وأنهار ملأى بمخلوقات عجيبة، ليهتدي من وراء ذلك إلى الله تعالى واجب الوجود، ومستحق العبادة والطاعة من كل موجود.
ولقد تقبل الصحابة قضايا التوحيد بعدما آمنوا بأصلها، وهو الإيمان بالله تعالى الواحد، ولم يثر جدل حولها في عهد الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، وبقى الأمر كذلك حتى مقتل سيدنا عثمان t، حيث ظهرت فرق الخوارج والشيعة ، وقامت الخلافات بينها في أصول العقيدة، وفروع الشريعة، وإلى جانب ذلك اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، فدخل في الإسلام من هم من أصل فارسي، وهندي، ويهودي، ونصراني، وقد حملوا معهم فلسفاتهم، وعقائدهم إلى البيئة الإسلامية، فقام علماء المسلمين ببيان الآراء الفاسدة، والفلسفات الضالة، واتبعوا أسلوب القرآن الكريم في الإقناع متأسين بقول الله تعالى :
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(1).
واستعانوا بالمنطق للرد على كل الأفكار الدخيلة، وألفوا في ذلك الكتب التي تناولت قضايا التوحيد، وفي هذا الوقت ظهر علم التوحيد بهذا الاسم، واكتسب أهمية عظيمة في نظر المسلمين، لأنه يتناول أصول الشريعة الإسلامية، فيدافع ويذب عنها، ويقهر الآراء المعارضة لها.
واجب المربين تجاه هذا العلم :
إن كثرة المذاهب، وتعدد الاتجاهات، وخطورة الأفكار الغازية لبلاد المسلمين من الشرق والغرب في هذه الأيام، لتتطلب من المربين المسلمين مزيداً من الاهتمام بعلم التوحيد، بحيث يؤهل الشباب لمواجهة التيارات الغربية فلا يقعون فريسة لها.
وهذا يقتضي من المربين أن يربطوا بين قضايا التوحيد التي وردت في الكتب الشرعية المنهجية، وبين الاكتشافات العلمية، والمخترعات الحديثة، التي كشفت وما تزال تكشف من أسرار هذا الوجود التي تدل على عظمة الله تعالى، الخالق المبدع، الذي تملأ آياته الآفاق.
قال الله تعالى:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد* أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ)(2).
 
أسئلة ومناقشة:
1-    عرف علم التوحيد، ولماذا سمي بهذا الاسم؟
2-     أكمل العبارات الآتية :
(أ‌)         يبحث علم التوحيد في ……… ، ……… ، ……… ، ………
 (ب)كان موقف الصحابة تجاه قضايا التوحيد موقف …………
 (ج) حصل بعد مقتل سيدنا عثمان اختلافات في ……………
3-    بين السبيل الذي سار فيه علماء التوحيد في الرد على الأفكار والفلسفات المعارضة للعقيدة الإسلامية.
4-     ما واجب الدعاة والمربين إزاء الأفكار والفلسفات الغازية لبلاد المسلمين.
5-     اذكر آية كريمة ، تدل على طريق الدعوة إلى الله.
 
 
أصول الإسلام
مقدمة:
الإسلام هو الدين الذي أنزله الله تعالى على سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم  ، لتنظيم علاقة الإنسان بربه عن طريق أحكام العقائد والعبادات، وعلاقته بنفسه عن طريق أحكام الأخلاق والمطعومات والملبوسات، وعلاقته بغيره من الناس عن طريق أحكام المعاملات والعقوبات.
وهو دين شامل لجميع شئون الحياة، بعيد عن الرهبنة والكهنوت، بينه وبين الاستبداد الديني عداء مستحكم، فلا وجود فيه لجماعة تسمى رجال الدين، وجماعة تسمى رجال الدنيا، بل جميع من يعتنقونه يسمون مسلمين، ويتساوون أمامه في الحقوق والواجبات، وقد ختم الله به الأديان وجعله مهيمناً عليها، وجعله ديناً لجميع العباد.
قال تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)(1).ويقوم هذا الدين على أصلين أساسيين، لا توجد حقيقة إلا بهما ولا يتحقق معناه إلا إذا أخذ الأصلان حظهما من التحقق والوجود في عقل الإنسان، وقلبه، وحياته العملية.
وهذان الأصلان هما : العقيدة والشريعة.
الإسلام عقيدة وشريعة :
إن الإسلام بمفهومه السابق يرتكز كما هو واضح على العقيدة والشريعة أو الإيمان والعمل، أو العقيدة والعيادة.
فمفهوم العقيدة والإيمان واحد، ومفهوم الشريعة والعبادة والعمل واحد.
 وكلا المفهومين يرتبط بالآخر ارتباطاً وثيقاً، كارتباط الثمار بالأشجار والسبب بالمسبب، والنتيجة بالمقدمة.
والقارئ للقرآن الكريم يجد دائماً آيات الإيمان مقرونة بالعمل الصالح.
قال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)(2).
وقال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً)(3).
 
العقيدة :
هي التصديق الجازم بأركان الإيمان، وهي الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وهي قاعدة هذا الدين، لا يقوم له شأن إلا بها، ولا يجد له طريقاً للتطبيق في واقع الحياة إلا على أساسها.
قال تعالى:
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(1).
وهي أول ما دعا إليه الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، وطلبه من الناس في المرحلة الأولى من مراحل الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة.
ولقد كان الإنسان إذا أراد الدخول في الإسلام يعطي هذا الجانب من الدين أولاً ، فإذا اعتنق العقيدة الإسلامية ، وجعلها عقيدة له في الحياة، يعطي بعد ذلك الأحكام من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد وبيع وشراء؛ إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما :
" لقد عشنا برهة من الدهر ، وإن أحدنا يؤتي الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها، وما ينبغي أن يقف عنده، ولقد رأيت رجالاً يعطي أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، لا يدري ما آمره، وما زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده، ينثره نثر الدقل(2)".
وهي كذلك تعني الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى لم يخلق هذا الكون عبثاً ولهواً، ولم يترك الناس سدى، بل لهم جند من جنوده، خلقهم لعبادته، وقد استخلفهم في الأرض واستعمرهم فيها، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل معهم الكتب، وبين الخير والشر والهدى والضلال، استعداداً ليوم يقضي فيه بين العباد، ويجزي كل إنسان بما عمل.
قال تعالى :
(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)(3).
وقال :
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)(4).
الشريعة:
الشريعة هي ثمرة العقيدة، وهي نتيجة الحتمية لها، وتتمثل فيها شرعة الله من عبادات وأخلاق، ومعاملات.
العبادات:
هي الأمور التي يجب على المسلم فعلها طاعة لله وتقرباً إليه ، وحباً فيه، كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، والجهاد، والدعاء، والاستغفار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من العبادات التي يتوجه بها المسلم إلى ربه في ليله ونهاره ابتغاء مرضاته وطلباً لثوابه،وهو يردد قول الله تعالى :
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(1).
وهي بذلك تنتظم علاقة الإنسان بربه.
الأخلاق:
هي السلوك الطيب المستقيم، وهي مجموعة الآداب التي جاء بها الدين ، وحث على التمسك بها، وعدم الانصراف عنها ، حتى تكون جزءاً من سلوك المسلم، لا تفارقه أبداً وذلك مثل الصدق، والأمانة ، والحب ، والإخلاص، والوفاء بالعهد ، والالتزام بالوعد، والبذل ، والتضحية ، والعون على نوائب الدهر.
وهذه الأخلاق وغيرها حث عليها القرآن الكريم.
قال تعالى :
(وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)(2).
وقال :
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(3).
وجاء بها الأنبياء، وبعثوا لإتمامها فقد قال  صلى الله عليه وسلم  : [ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ](4).
وبها تبقى الأمم وتحيا الشعوب.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت      فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وهذه الأخلاق جزء من دين الإسلام ترتبط بالعقيدة والشريعة والعبادة.
 قال تعالى:
(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(1).
إن المتفحص في هذه الآية الكريمة يجد أنها ربطت بين الإيمان والعبادة والأخلاق برباط وثيق لا ينفصم أبداً في نفس المؤمن الصادق.
وبذلك لا تكون الأخلاق في الإسلام مجرد نصائح وإرشادات، يتبعها من يشاء، ويخالفها من يشاء، وإنما هي نتيجة طبيعية للالتزام بأحكام الإسلام، فلا أخلاق بلا إيمان، ولا أخلاق بلا عبادة.
وهي بذلك تنتظم الإنسان بنفسه وبغيره من الناس.
المعاملات:
هي ما أنزله الله من أحكام وتشريعات، جاء بها القرآن الكريم، ووضحتها السنة النبوية المطهرة، لتقوم عليها موازين الحق والعدل، ويعيش الناس في ظلها آمنين مطمئنين، لا يخافون على نفس أو مال، أو عرض أو دين.
ومن هذه المعاملات الحدود والقصاص والديات ، والبيع والشراء والديون ، والشركات بكل أنواعها المشروعة.
ومنها ما حرمه الله كالخمر والميسر والربا، وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك وعلى المعاملات تقوم المجتمعات، ويحيا في ظلها الأفراد والجماعات.
قال تعالى:
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(2).
وقال :
(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(3).
وقال :
(وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(4).
وقال :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)(5).
 
وقال :
(وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)(1).
وقال :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(2).
وقال  صلى الله عليه وسلم  :
[ من ادان أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ](3).
وقال عليه السلام :
[ يد (4)الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما](5).
كما نهى  صلى الله عليه وسلم  عن بيع الأشياء المحرمة فقال:
[ إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام](6).
وقال :
[ إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه](7).
وهذه المعاملات كما نلاحظ تنظم علاقة الإنسان بغيره من الناس، كما نظمت العبادات والأخلاق علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبغيره من الناس.
منزلة العقيدة :
العقيدة من الشريعة كالرأس من الجسد، أو كالروح من البدن، فالجسد من غير الرأس خواء، والبدن من غير الروح لا وجود له ولا بقاء.
إن العقيدة هي الأصل الذي لا يصح شيء بدونه ولا يقبل، فكل تشريع وكل عمل وكل سلوك انقطعت صلته بهذا الأصل، ولم يقم على أساس من الإيمان بالله، فهو مردود على صاحبه، إنه كسراب لا ماء فيه، أو كرماد نثرته الرياح في كل واد.
والقرآن الكريم يصور لنا حقيقة العمل غير المربوط بالعقيدة هذا التصوير الواضح المنير.
 
 
يقول تعالى:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)(1).
العقيدة صمام الأمان :
إن العقيدة هي صمام الأمان ، وهي المحرك القوي للإنسان ، بها يهتدي إلى فطرته الأولى ويضع يده على النور الذي أودعه الله فيه، فيأمن من خوف ويهتدي من حيرة، ويستقر بعد تخبط، ويطمئن بعد قلق واضطراب.
قال تعالى:
(وَذَا النُّونِ(2) إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)(3).
ولما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار، كانت عقيدته في الله هي المنقذة له من كيد قومه له، ومن نارهم التي أوقدوها ظلماً وعدواناً.
قال تعالى :
(أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ  * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)(4).
وأيوب عليه السلام حين اشتد به الألم، وأحاط به الضر، لم ينجه منه إلا عقيدته في الله، ونداؤه له ودعاؤه إياه.
قال تعالى:
( وأيوب إذ نادى ربه أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين)(5).
منزلة الشريعة :
الشريعة للعقيدة كالثمرة للشجرة ، أو كالمطر للسحاب ، أو كالحركة للحياة فالشجر بثمره، والسحاب بمطره ، والحياة بحركتها.
ولا خير في شجر بلا ثمر ، ولا فائدة من سحاب بلا مطر ، ولا جدوى من حياة بلا حركة.
وكذلك لا فائدة من إيمان لا يكون من ثماره العمل، ولا قيمة لعقيدة لا تنبثق عنها شريعة.
إن العقيدة والإيمان يتولد منهما العمل الصالح والسلوك المستقيم والحياة الآمنة المطمئنة.
والقرآن الكريم يشير إلى ذلك في الكثير من آياته ، التي يربط فيها الإيمان بالعمل والعقيدة بالحياة.
قال تعالى :
(الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(1).
وقال :
(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ)(2).
بهذه الآيات الكريمة وغيرها يمتحن المؤمن إيمانه ، ويقيس درجته وقوته ، وينظر أهو إيمان نائم مخدر ، أم هو إيمان حي متحرك، يشيع الخير في كل إتجاه ، وينشر السعادة في كل مكان، ويكون مع صاحبه في المسجد حين يصلي ، وفي المعركة حين يجاهد ، وفي السوق حين يبيع ويشتري ، وفي المصنع حين يدير آلته ويعمل، وفي الطريق حين يسير ، وفي المدرسة حين يقف بين طلابه وتلاميذه ، وفي الفصل حين يجلس بين إخوانه وزملائه، وفي غير ذلك من أمور الحياة وشئون الدنيا.
ارتباط الشريعة بالعقيدة :
ظن :
قد يظن الإنسان أن العقيدة إذا تمكنت من قلبه واستقرت في نفسه ، كان في ذلك غناء وكفاية، ولو لم يعمل شيئاً من الصالحات، أو يسلك سبيلاً من سبل الخير ، أو يبتعد عن طريق من طرق الشر.
وهل هناك شيء أكمل من ثبوت العقيدة في القلب وتمكنها من النفس ؟
ظن آخر :
وقد يظن آخر أن العمل الصالح والسلوك القويم، واستباق الخيرات ونبذ السيئات فيه الكفاية، وهو المطلوب من الإنسان في كل زمان ومكان.
وهل هناك شيء يفوق عمل الصالحات، والتسابق في الخيرات ، والبعد عن المنكرات، وملء الحياة بالأعمال الطيبة، التي يسعد في ظلها الأفراد والجماعات؟
ظنان خاطئان، وفهمان لا يقبلان في شرع الإسلام، الذي ربط الإيمان بالعمل، وأكد الصلة بين العقيدة والشريعة، وجعلهما كالجسد الواحد، فلا يصلح أحدهما دون صاحبه.
كل الشرائع تدعو إلى الإيمان والعمل :
إن الإسلام ليس بدعاً من الشرائع التي سبقته، فكلها توجب الإيمان والعمل، فكيف نفهم في الإسلام غير ذلك، وهو الدين الذي جاء مهيمناً على كل ما سبقه من أديان وشرائع؟
يقول تعالى :
[وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور(1)ِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ](2).
والزبور هو المنزل على سيدنا داود عليه السلام، ومعنى ذلك، أن الأرض يرثها عبد الله الصالحون لعمارتها، واستثمار خيراتها، والقيام بخلافة الله فيها.
ويقول سبحانه :
[ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون](3).
ومعنى ذلك أن الله يراقب تصرفاتنا حيث كلفنا بالإيمان والعمل معاً، ثم ينظر وفاءنا بهذا التكليف، وهل نحن أهل لعمارة الأرض، وإصلاح الحياة أم لا.
العمل المقبول :
إن الإسلام لا يقبل عملاً ناشئاً من فراغ، ولا يعطي هذا العمل صفة الأعمال الصالحة التي تنقذ المرء من عذاب الآخرة ، وتثقل موازينه فيعيش فيها عيشة راضية.
إن الإيمان ليس بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالجاحد لوجود الله الشاك في لقائه، المنكر لنعمه وآلائه، لا يتقبل الله منه عملاً، ولا يقيم له وزناً.
قال تعالى :
[وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً](4).
العقيدة والشريعة تتعانقان :
إن الدين عقائد وعبادات، وأخلاق ومعاملات، وكلها تدور في حلقة واحدة وكلها عرى الإسلام، وكلها يرتبط بعضها ببعض، ارتباط دقيقاً وثيقاً، فلا تنفصل العبادة عن العقيدة، ولا العقيدة عن الأخلاق، ولا المعاملات عن الأخلاق، بل كلها يسير في خط واحد وطريق لا عوج فيه.
قال  صلى الله عليه وسلم  :
[ أفضل المؤمنين إسلاماً من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله عنه ، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل](5).
 

 أسئلة ومناقشة :

1-    يقوم الإسلام على أصلين عظيمين ، وضحهما من خلال آيات القرآن الكريم.
2-     عرف العقيدة ، وبين المقصود بها في دين الإسلام,
3-     تتمثل الشريعة الإسلامية في الأمور التالية :
(أ)
(ب)
(ج)
4-    ما معنى العبادات ، وما هو الجانب الذي تنظمه في حياة الإنسان.
5-     الأخلاق جزء لا يتجزأ من الدين، وضح ذلك مستشهداً بما تحفظ من القرآن الكريم.
6-    ما معنى المعاملات، وما أثر تنظيمها على حياة الفرد والجماعة.
7-    وضح منزلة العقيدة في دين الإسلام.
8-    ما علاقة العقيدة بالشريعة وضح ذلك من خلال النصوص القرآنية.
9-    ما رأيك فيمن يقول : أنا مؤمن وقلبي أبيض ، ومعاملتي مع الناس حسنة ولا حاجة لي للقيام بالعبادات المفروضة.؟
10-          ما رأيك فيمن يقول : إني أعمل الصالحات، ولا حاجة للإيمان، لأنه مجرد كلمات تقال؟
11-          متى يكون العمل مقبولاً في ميزان الإسلام، دلل على ذلك بآية من القرآن الكريم.
 
 
الفصل الثاني
أركان الإيمان
التعريف بها.
الركن الأول – الإيمان بالله تعالى.
الحاجة إلى الإيمان بالله تعالى.
أدلة الإيمان بالله تعالى.
أولاً : دليل الفطرة.
ثانياً : دليل العقل.
الظواهر الدالة على وجود الله .
أولاً : ظاهرة حدوث الكون.
ثانياً : ظاهرة التنظيم والتصميم.
 
أركان الإيمان
مقدمة:
عرفت في الدروس السابقة أصول الإسلام ، وعرفت أن الإسلام هو الدين الذي ختم الله به الأديان، وأكمل الرسالات ، ورضيه ديناً للعباد، وأنه يرتكز على أصلين ثابتين هما : العقيدة والشريعة، وهم أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر ، وأن العقيدة من الشريعة كالرأس من الجسد ، وأن الشريعة من العقيدة كالثمر من الشجر، وأن الله تعالى لا يقبل أحدهما دون الآخر ، فلا يقبل عملاً غير مبني على العقيدة، ولا يرضي عقيدة نائمة مخدرة لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر ، ولا يرى أثرها في الحياة.
فالفصل بينهما كفر وردة، فمن آمن بالعقيدة وألغى الشريعة أو أخذ بالشريعة وأهمل العقيدة، لا يكون مسلماً عند الله.
قال تعالى:
[أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً](1).
بعد أن عرفت هذا بقى أن نتعرف على أركان الإيمان، فبها تتم العقيدة، ويكمل اليقين.
فما هي هذه الأركان ؟ وكم عددها ؟ وما أدلتها من القرآن والسنة ؟
أركان الإيمان :
للعقيدة الإسلامية ستة أركان هي:
الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وتدعى أيضاً أركان الإيمان، لأن الله تعالى قد أوجب على المسلم الإيمان بها
قال تعالى:
[آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ](2).
هذا وقد حدد النبي  صلى الله عليه وسلم  هذه الأركان في حديث جبريل عليه السلام حين سأله ما الإيمان ؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :[ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره](3).
ويمكن التعريف بهذه الأركان فيما يلي :
 
الركن الأول : الإيمان بالله تعالى :
يوجب الإسلام على كل مسلم أن يعتقد اعتقاداً لا تخالطه ريبة، في أن الله تعالى خالق هذا الكون ومالكه والمدبر له، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وأنه فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، وأنه وحده يتصف بصفات الكمال، وله الأسماء الحسنى.
قال تعالى:
[وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ](1).
وهذا هو الركن الأساسي الذي يقوم عليه الدين كله.
قال تعالى :
[وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ](2).
ولا يخفي ما لهذا الركن من آثار في النفس الإنسانية ، فهو يحررها من الخوف على الأجل ، والرزق، والوظيفة، والمصلحة الشخصية، فيكون المؤمن بالله شجاعاً عزيزاً، لا يخاف في الله لومة لائم، لأنه يعلم أن الله وحده هو الخالق الرازق، النافع الضار، المحيي المميت، فلا يبقى لأحد من البشر سلطان عليه.
الركن الثاني : الإيمان بالملائكة :
الملائكة مخلوقات نورانية، خلقها من نور كما جاء في الحديث الشريف قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : [خلقت الملائكة من نور ](3).
ويمكنها التمثل بصورة إنسان كما جاء في سورة مريم .
قال تعالى:
[فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً](4).
والملائكة مفطورون على طاعة الله وعبادته فلا يفكرون في معصية، ولا يتكاسلون عن أمر.
قال تعالى:
[لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](5).
ولهم وظائف متعددة ، فمنهم من يحمل العرش ، ومنهم من يسجل أعمال البشر ، ومنهم من يبلغ الرسالات للرسل ، ومنهم من يقبض أرواح الخلائق، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار ، ومنهم من ينفخ في الصور ………
ويترتب على الإيمان بالملائكة ومعرفة صفاتهم ووظائفهم آثار في نفوس الناس ، حيث يتأثرون بصفاتهم، كطاعتهم التامة لله، وعبادتهم الكاملة له،ويكونون حذرين ويقظين في كل قول يصدر منهم، أو عمل يقومون به، لأنهم يعلمون أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد فيحاولون جاهدين ألا يكتب في سجلاتهم إلا أعمال الخير.
قال تعالى:
[مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ](1).
الركن الثالث: الإيمان بالكتب السماوية:
وهو يعني الاعتقاد بأن الله تعالى أنزل كتباً وصحفاً من عنده، فيها هداية العباد إلى الطريق المستقيم، وهذه الكتب هي الصحف التي أنزلت على إبراهيم عليه السلام، والتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، والزبور الذي أنزل على داود عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام، والقرآن الكريم الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد ذكر هذه الكتب والصحف في القرآن الكريم.
قال تعالى:
[إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ](2).
وقال تعالى:
[إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى](3).
وقال تعالى:
[وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً](4).
وفائدة الإيمان بالكتب السماوية، تظهر في التعرف على منهاج الله تعالى في هداية البشرية وإصلاحها، وإسعادها في الدارين.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل:
من رحمة الله بالبشر أن اختار منهم رجالاً يتصفون بالصدق والإخلاص ، والشجاعة والسماحة والجود، وجماع الأخلاق الحميدة ، كما حفظهم من كل ما ينفر منهم أو يبعد الناس عنهم ، وكلفهم بحمل رسالاته وتبليغها للناس ، وهدايتهم وإرشادهم إلى طريق الخير والفلاح ، يحضونهم على طاعة الله ، وينهونهم عن عصيانه ومخالفة أمره.
وهؤلاء الرسل كثيرون، قص الله علينا في كتابه الكريم أخبار خمسة وعشرين منهم وسكت عن الآخرين.
قال تعالى:
[{وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ](1).
وقد أيدهم الله تعالى بمعجزات خارقة للعادة ، لا يستطيع البشر القيام بها ، وجعلها دلائل على نبوتهم وصدقهم ، فجعل العصا التي انقلبت حية تسعى من معجزات موسى عليه السلام، وجعل شفاء المرضى بإذن الله من معجزات عيسى عليه السلام ، والقرآن الكريم محمد  صلى الله عليه وسلم  .
فما من نبي إلا وأيده الله تعالى بمعجزة تدل على نبوته وصدقه، وفائدة الإيمان بالرسل أنهم يمثلون الكمال الإنساني، حيث يقتدي بهم الناس في حياتهم، ويتحلون بأخلاقهم، ويترسمون خطاهم، فيتعلمون منهم الصبر والصدق، والبذل والكرم، والشجاعة والتضحية، والثبات والإخلاص.
الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر:
يقصد باليوم الآخر ذلك اليوم الذي يبعث الله فيه الناس من قبورهم، ويحاسبهم على أعمالهم، وما يلي ذلك من ثواب وعقاب وجنة ونار.
والإيمان باليوم الآخر يدفع الإنسان إلى فعل الخير مع نفسه وأهله والناس أجمعين حيث يدرك أنه محاسب على كل صغيرة وكبيرة، وأن هذا اليوم يوم الجزاء، لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
قال تعالى:
[فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ](2).
وقال :
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ](3).
الركن السادس: الإيمان بالقدر:
ويعني ذلك التسليم بقضاء الله وقدره ، وأن ما أخطأ الإنسان لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن الله سبحانه هو مالك الملك ، وهو الذي يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويحيي ويميت.
وأنه وضع نظاماً للكون، وأسباباً تترتب عليها المسببات والنتائج، ونصيب الخلق في الدنيا والآخرة.
فعلى من يريد النجاح أن يسلك الأسباب الموصلة إليه من مواظبة وجد واجتهاد، ومذاكرة وتحصيل، تماماً كما يفعل الفلاح النشيط، حيث يبذر الحب في أرضه، وينتظر الثمار من ربه.
ومن الأمور التي قدرها الله الرزق والأجل، وقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم وأن الإنسان لا يفارق الحياة، قبل أن ينال رزقه، ويستنفد عمره.
قال تعالى:
[وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ  ](1).
وقال :
[فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ](2).
هذه هي أركان الإيمان الستة وهي تستند إلى قوله تعالى:
[آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ](3).
وتستند إلى الحديث الشريف المعروف بحديث جبريل ونصه :
[ عن عمر بن الخطاب t قال : " بينما نحن جلوس عند النبي  صلى الله عليه وسلم  ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ، قال صدقت : فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال صدقت ، فأخبرني عن الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال فأخبرني عن الساعة؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال فأخبرني عن أماراتها؟ قال أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة ، رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.
قال: ثم انطلق فلبث ملياً ثم قال لي : يا عمر أتدري من السائل ، قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ](4).
وبغير هذه الأركان لا يقبل إسلام أو إيمان، فقد أجمعت الأمة على ذلك واستقرت هذه العقيدة في النفوس ، فأصبحت بها عزيزة قوية لا تخاف إلا الله ، ولا تستعين إلا به ، ولا تتوكل إلا عليه ، ولا تدعو إلا إياه.
[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ](5).
ولما كان أهم هذه الأركان وأولها هو الإيمان بالله، فسوف نتناول هذا الركن بالبيان والتوضيح والشرح والتفصيل.
 
أسئلة ومناقشة:
1-    عدد أركان الإيمان واستدل لما تقول بآية من آيات القرآن الكريم، وحديث من أحاديث النبي  صلى الله عليه وسلم  .
2-    ماذا يقتضي الإيمان بالله تعالى، وما منزلة هذا الركن من بقية الأركان الأخرى.
3-    هل تعرف أسماء عدد من الملائكة، وهل تعرف بعض وظائفهم ؟ اذكر ملكين وبين وظيفتيهما .
4-    من هم الرسل ؟ اذكر أسماء عشرة منهم معتمداً على دراستك السابقة.
5-    كم عدد الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله لعباده؟ اذكر عدد من قص الله علينا منهم في القرآن الكريم؟
6-    اذكر أسماء الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على رسله، مع ذكر اسم النبي الذي أنزل عليه كل كتاب.
7-    ما معنى الإيمان بالقدر ؟ وما الدليل على أنه ركن من أركان الإيمان؟ اذكر حديثاً نبوياً يشهد بذلك.
8-    ما رأيك فيمن آمن ببعض هذه الأركان ، وأنكر ركناً واحداً منها ؟ ماذا يعتبر هذا الإنسان في ميزان الإسلام؟
9-    رتب أركان الإيمان كما وردت في الحديث الشريف.
 
الركن الأول : الإيمان بالله تعالى
مقدمة:
تبين لنا من الدرس السابق أن للإيمان ستة أركان، وأن الركن الأساسي الذي تبنى عليه بقية الأركان هو الإيمان بالله تعالى، الإيمان به رباً وخالقاً، والإيمان به حكيماً ومدبراً ومنظماً لهذا الكون ومهيمناً عليه.
قال تعالى:
[وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ](1).
وقال :
[وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ](2).
إن وجود الله شيء بدهي يسلم به كل عقل سوى ، إنه واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ،وكما أن وجود الشمس لا يحتاج إلى دليل ، وكون الواحد نصف الاثنين في غنى عن كل تعليل ، فكذلك وجود الله.
ولكن حين نسوق الدليل على وجود الله فذلك فقط ليزداد المؤمن إيماناً والموحد ثباتاً ويقيناً متمشين مع قوله تعالى:
[وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ](3).
وليكون ذلك حجة على كل ملحد كافر، وجاحد فاجر، قد أغمض عن الهدى عينيه، وسد أذنيه، وجعل على قلبه غشاوة.
قال تعالى:
[وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ](4).
هل نحن في حاجة إلى الإيمان بالله :
لقد تقدم العلم تقدماً كبيراً ، وازدحمت الحياة بأنواع المعرفة ، واكتشف الإنسان الكثير من أسرار الوجود ، ولا يزال يكتشف ، مما كان سبباً في ترفيه النفس، وتخفيف مشاق الحياة، وتذليل صعابها.
لقد صعد إلى السماء، وغاص في أعماق الماء، وفجر الذرة، وعرف أسرار المجرة.
ولكن هل أغنى الإنسان كل ذلك عن الإيمان بالله؟ هل حقق له السعادة والطمأنينة في الحياة؟ هل ملأ له فراغ نفسه وقلبه ، بعد أن أشبع له الكثير من حاجاته ورغباته؟
إن هذه التقدم المادي لم يواكبه تقدم روحي في حياة الإنسان ، ولذلك ازدادت مشكلاته تعقيداً، وروحه قلقاً ، حيث ابتعد عن دين الله تعالى الذي يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة ، كما ازداد الفساد الخلقي والانحلال الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن هذا الإنسان هبط على القمر ، محققاً بذلك إنجازاً علمياً كبيراً ، فإنه بقى مصراً على التفرقة العنصرية ، وهذا منتهى الانحدار الحضاري والتقهقر الإنساني، ولا يهيئ السعادة لبني الإنسان إلا الارتباط مع الله تعالى، خالق الكون والإنسان والحياة، ولا يصلح الناس إلا الأخذ بشريعة الله فهو خالقهم ، يعلم ما يصلح حالهم ويسعدهم في دنياهم وأخراهم.
هل العقل يكفي :
قد يدعي مدع أن العقل في إمكانه الاستقلال بهداية الإنسان ، وتوجيهه إلى ما يصلحه ويسعده ، ولكن الواقع الملموس يكذب هذا ، فقد رأينا الكثير من الأمم والشعوب ، التي فقدت هداية الوحي الإلهي ، لم تغن عنها هداية العقول شيئاً ، فضلت وهلكت ، والقرآن الكريم يقص علينا أخبار هؤلاء فيقول تعالى :
[وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون](1).
وبعد هذا كله يسأل الإنسان نفسه ما فائدة هذه الحضارة إذا لم تصل به إلى الطمأنينة ؟ وإذا لم ترتق بالنفس الإنسانية، وتصل بها إلى الهدف المنشود من الحياة والوجود ؟
وإذا كانت الحضارة قد أفلست في منح الإنسان راحة قلبه ، وهدوء نفسه فما الذي يعنيه ويساعده على الوصول إلى بغيته ، ويخرجه من أزمات الحياة ومتناقضاتها بأمان وسلام.
إنه الإيمان بالله. فبالإيمان يعرف الإنسان نفسه ، ويعرف لماذا خلق ، ولماذا كرم وفضل ويعرف الغاية من وجوده ، وأنه لم يخلق عبثاً ، ولم يترك سدى ، بل خلق ليكون خليفة الله في أرضه ، يعمرها بطاعته ويسخرها بحبه. يكشف مكنوناتها ، ويسعد بخيراتها ، ويأكل من طيباتها ، من غير بغي أو طغيان ، أو نسيان لحقوق ربه عليه. إن حاجة الإنسان إلى الإيمان تنبثق قبل كل شيء من حاجته إلى معرفة حقيقة نفسه ، ومعرفة الحقائق الكبرى ، وأعظم هذه الحقائق وأجلها ، وجود الله تعالى ووحدانيته ، وكماله المطلق.
وبمعرفة الله والإيمان به تنحل عقد الوجود ، ويتضح المنهج والطريق.
يقول تعالى:
[رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ](2).
 
الإيمان بالله فطرة في النفس
كيف يصل الإنسان إلى الإيمان بالله ؟
هل يصل إلى ذلك بفطرته التي فطره الله عليها ؟
هل يصل بعقله وفكره ؟
هل يصل بنظره وتعمقه في الكون، وما فيه من دقة ونظام وإبداع ؟
أو لابد من ذلك كله.
دليل الفطرة :
هناك شعور فطري فطر الله الناس عليه، يتمثل في إحساس الإنسان، بأن هناك قوة عليا مدبرة لهذا الكون، ومهيمنة عليه.
وكلما تأمل الإنسان في نفسه [وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ] أو في الكون من حوله [وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ] أحس بهذا الشعور يسيطر عليه ، ويدفعه دفعاً إلى أن يقر بوجود قوة عليا عاقلة ، وأن هذه القوة العليا هي الله.
وإذا كان دليل الفطرة شاهداً على وجود الله، فهناك أمور فطرية كثيرة نزاولها في حياتنا دون إعمال فكر أو نظر، مثال ذلك.
انسياق الطفل حديث الولادة إلى ثدي أمه بفطرته الأولى، دون أن يتعلم ذلك من معلم، ودون أن يدركه بدليل عقلي.
شعور الأم بعاطفة الأمومة شعوراً يملك عليها نفسها، من غير أن تتعلمه من معلم.
نحس بالجوع فنأكل ، ونحس بالبرد فنتخذ الوقاية منه ، ونحس بوجود روح فينا فنحافظ عليها ، وندفع عنها كل سوء ، دون أن يكون ذلك بحاسة من حواسنا الظاهرة.
إننا نشعر بالشهوة ، ونشعر بالألم ، ونشعر بالسعادة ، فهل نستطيع أن نثبت ذلك بأكثر من إحساساته.
إن الشعور بهذه الأشياء كلها دليل على وجودها ، وهي فطر صادقة ، موافقة للواقع الكوني ، وموافقة لحاجاتنا.
فطرة صادقة:
ومن أصدق هذه الإحساسات الفطرية التي تملأ الكيان، وتسيطر على الوجدان ، فطرة إحساس الإنسان بوجود الخالق ، وتلهفه دائماً لمعونته وإمداده ، وشعوره بحاجة هذا الكون الكبير في نظامه وإتقانه وإبداعه إلى قدرة الله وحكمته.
إنه شعور فطري تشترك في الإحساس به جميع الخلائق المدركة على اختلاف مستوياتها ، إنه شعور مشترك بين جميع الناس، يخفق في نفس الطفل الصغير ، والإنسان البدائي ، والإنسان المتحضر ، والجاهل والعالم ، والباحث والفليسوف.
كلهم يشعرون بشعور مشترك، وهو أن الله حق، وأنه القوة العالمة بكل شيء القابضة على كل شيء، الباقية بعد كل شيء.
[كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ](1).
وهذه صبغة الله في كل مخلوق مدرك ، وفطرته التي فطر الناس عليها.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى:
[فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ](2).
وقوله :
[صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ](3).
متى تظهر هذه الفطرة :
وتظهر هذه الفطرة واضحة جلية في ساعات الشدة، حين ينقطع الرجاء من الناس، وحين يحدق الخطر بالإنسان، ويحيط به الكرب من كل مكان ويفقد جميع سبل النجاة.
وفي هذه اللحظة الحرجة لا يجد الإنسان أمامه إلا الله يبثه شكواه، ويطلب منه العون والنجاة، ينطلق إليه بفطرته، حتى ولو كان غير مؤمن به.
ويقرر القرآن هذه الحقيقة فيقول تعالى:
[وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ](4).
ويقول سبحانه :
[هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ](5).
سؤال وجواب:
ولقد سأل رجل الإمام جعفر الصادق y عن الله تعالى فقال : ألم تركب البحر؟ قال : بلى. قال : فهل هاجت بك الريح عاصفة؟ قال : نعم. قال : وانقطع أملك حينئذ من الملاحين ووسائل النجاة؟ قال :نعم. قال : فهل خطر ببالك وانقاح في ذهنك أن هناك من يستطيع أن ينقذك إن شاء؟ قال : نعم. قال جعفر الصادق فذلك هو الله.
مشيراً إلى قوله تعالى :
[وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً](1).
 
أسئلة ومناقشة :
1-    وجود الله تعالى أمر بدهي ، فلماذا نقيم الدليل العقلي على ذلك؟
2-    وضح قيمة الإيمان بالله تعالى في حياة الإنسان.
3-    هل استطاع التقدم العلمي أن يوفر للإنسان ما يوفره له الإيمان بالله تعالى؟ وضح ذلك.
4-    الإيمان بالله تعالى فطرة في النفس الإنسانية، وضح ذلك مستشهداً بآيات من القرآن الكريم.
5-    من الناس من يتنكر لهذه الفطرة ، فمتى تظهر هذه الفطرة واضحة برغم أنف منكرها؟
6-    وضح موقف الإمام جعفر الصادق عندما سئل عن الله تعالى.
 
بالعقل يصل الإنسان إلى الإيمان بالله
دليل العقل :
لا يوجد دين كالإسلام حث العقل على النظر والتأمل ، وحركه في كل اتجاهات المعرفة ، ودار به في أنحاء الكون من أرض وسماء ، وهواء وماء وجبال وتلال ونجوم وكواكب ، وطيور تحلق في السماء ، وأسماك تعيش في قاع الماء ، وسحاب يمطر فتنشق الأرض بالخضرة والنبات.
كل ذلك وغيره كثير، بثه الله في الكون، وأمرنا بالنظر فيه لنتوصل منه إلى معرفته، ويكون دليل عقولنا إلى الإيمان به.
قال تعالى:
[أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ](1).
وقال :
[أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ](2).
وقال :
[وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ](3).
وكما طلب سبحانه النظر في الكون وآياته ، ذم الإعراض والغفلة فقال سبحانه :
[وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ](4).
وقد ورد في الحديث : ( أن بلالاً جاء يخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بقرب صلاة الصبح ، فرآه يبكي ، فسأله عن سبب بكائه فقال : ويحك يا بلال ، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله في هذه الليلة :
[إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ](5).
ثم قال : ويل لمن قرأها ، ولم يتفكر فيها(6)).
فعن طريق النظر والمشاهدة يصل الإنسان بسهولة إلى الإيمان بالله وهذا ما سلكه العربي بعقله الصافي وفكره المستقيم حين سئل. كيف عرفت الله ؟ فقال : سبحان الله. البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج ، أفلا يدل ذلك على العليم الخبير.
أبو حنيفة ينتصر للعقل :
ذكر ابن كثير أن أبا حنيفة النعمان y ، دعاه أحد الملحدين ليجادله في وجود الله، واتفقا على موعد ومكان.
وحضر الناس ليشهدوا الموقف، وحان الموعد، وتأخر الإمام كثيراً، حتى مل الناس الانتظار، وكانوا يقولون إن أبا حنيفة قد هرب، ثم حضر أبو حنيفة فسأله مجادله، لماذا تأخرت ولم تف بوعدك؟
فقال أبو حنيفة: أردت عبور النهر فلم أجد مركباً، فانتظرت حتى جاءت أشجار فنشرت، ثم صارت بنفسها ألواحاً، ثم تجمعت الألواح، فصارت مركباً فركبتها فعبرت بي نهر دجلة.
تعجب الرجل من قوله، وأخذ يقول للناس أجئتموني بعاقل أناقشه؟ أم بمجنون يهرف بما لا يعرف؟
هل يتصور أحد أن يفعل الشجر ذلك بنفسه، وأن تتحول الأشجار إلى ألواح ثم سفينة بدون صانع لها؟!
فقال الإمام: أنت تستكثر على سفينة واحدة أن تصنع بدون صانع؟ فكيف إذن قبلت أن تقول:
إن هذا العالم كله أرضه وسماءه، إنسانه وحيوانه، بحاره وأنهاره وكل شيء فيه صنع بدون صانع ووجد من غير موجد؟
فبهت الرجل ثم تنبه فآمن وآمن معه ألوف من الناس الذين كانوا على دينه.
حقاً إن ذلك يدل على الخالق العظيم، ألا فلتتفكر العقول، فإنها إن فعلت فسوف تقود أصحابها إلى خالقهم ببساطة وسهولة ويسر، كما حصل لهذا الأعرابي.
إن الأدلة العقلية على وجود الخالق جل وعلا ، منبثة في ثنايا هذا الوجود وفي هذه العوالم من حولنا.
في عالم الإنسان ، وفي عالم الحيوان ، وفي عالم النبات.
ففي عالم الإنسان :
لننظر إلى هذا الطفل الذي يولد فيلتقم ثدي أمه من أول يوم ، من الذي علمه هذا منذ ولادته؟ إنه لم ير أحداً قبله فيتعلم منه ، ولاشك أن الذي هداه وعلمه هو الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وهذا الثدي ماذا يفرز ؟ إنه يفرز في نهاية الحمل وبعد الوضع سائلاً أبيض مائلاً إلى الاصفرار ، وهو عبارة عن مواد كيماوية ذائبة ، تقي الطفل عدوى الأمراض ، وفي اليوم التالي للميلاد يبدأ اللبن في التكوين ، ويزداد إفراز الثدي له يوماً بعد يوم ، حتى يصل إلى لتر ونصف في اليوم بعد سنة ، في حين كانت كميته لا تزيد في الأيام الأولى على أوقية.
ولا يقف الاعتبار عند كمية اللبن التي تزيد على حسب زيادة عمر الطفل بل إن تركيب اللبن كذلك تتغير مكوناته ، وتتركز مواده ، فهو يكاد يكون ماء به القليل من النشويات والسكريات في أول الأمر ، ثم تتركز مكوناته فتزيد نسبته الدهنية والنشوية والسكرية فترة بعد أخرى ، يوماً بعد بل يوم ، مما يوافق أنسجة الجسم وأجهزة الطفل المستمرة في النمو.
من الذي قدر هذه النسبة المتغيرة في كمية اللبن ؟ والنسب المتغيرة في النشويات والسكريات والدهنيات فيه؟ من الذي قدر هذه وغيرها لتوافق حجم الطفل ومتطلبات نموه؟ لاشك أنه الله القادر القائل :
[إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ](1).
وفي عالم الحيوان :
تبدو طريقة تكاثر ثعبان الماء عجيبة حقاً وموجزها : أنه إذا اقترب موعد تكاثرها اتجهت كل الثعابين من جميع أرجاء بحار الدنيا ، وأنهارها إلى مكان مائي عميق جنوب جزيرة برمودا ، فتضع بيضها ثم تموت عن آخرها ، ثم يفقس هذا البيض ، وتعود الفراخ الجديدة إلى مواطن أمهاتها ، كل ثعبان إلى موطن أمه الأصلي ، فيعود ثعبان النيل مثلاً إلى مياه النيل ، وثعبان البحر الأبيض المتوسط ، إلى مياه البحر الأبيض المتوسط ، وثعبان المياه الأمريكية إلى المياه الأمريكية، ومع ملاحظة علماء الحيوان الدقيقة لهجرة هذه الثعابين لم يسجلوا خطأ واحداً لأي منها ضل الطريق ، فعاد إلى غير موطن أمه الأصلي.
من الذي أرشدها لقطع هذه المسافات الشاسعة، والعودة إلى وطنها الأصلي الذي لم تكن رأته من قبل، أو عاشت فيه؟ أليس ذلك دليلاً على قدرته سبحانه ، وصدق الله العظيم ، حيث يقول :
[قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى](2).
وفي عالم النبات :
حين تدخل بستاناً فماذا ترى فيه؟ إنك ترى أشجاراً مختلفة في أشكالها ، وأوراقها ، وطعم ثمارها، فمنها الحلو ، ومنها الحامض ، ومنها المر ، بل تختلف هذه الثمار في ألوانها ، وأشكالها، فبعضها كروي ، وبعضها يشبه الهلال، ومنها الأحمر، ومنها الأصفر ، ومنها الأخضر ، ومنها البرتقالي ، ثم من هذه الأشجار ما هو قائم على سوقه ، ومنها ما هو متسلق ومنها ما هو زاحف.
وكل هذه الأشجار المختلفة تنبت في قطعة من الأرض واحدة ، وتسقى بماء واحد ، وتمتص من الأملاح ما يناسبها لتكوين ثمرتها ، بل إن الشجرة الواحدة تحمل أنواعاً متعددة من الثمار ، وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن الله سبحانه وتعالى ، هو الذي أنبت هذه الأشجار ، وجعلها مختلفة اختلافات لا حصر لها في الشكل والورق والثمر والطعم ، وصدق الله العظيم في قوله:
[وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ](1).
وبعد هذه الأدلة التي سقناها، نجد من المفيد أن نسوق بعض أقوال علماء الكون الذي اهتدوا إلى الله عن طريق العقل والعلم، نسوق هذه الأقوال لمن كان له قلب.
قال إسحاق نيوتن:
لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة هذا الوجود.
قال هرشل :
كلما اتسع نطاق العلم زادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي ، لا حد لقدرته ولا نهاية ، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العلم ، وهو صرح عظمة الله وحده.
وهكذا لو تأمل الإنسان في الكون الذي يحيط به لأدرك من خلاله وجود الله تعالى، ولكن الغفلة والجهل ، والتقليد الأعمى للآباء والأجداد ، والمكابرة والعناد،و السير مع هوى النفس وشهواتها ، وكل ذلك يعطل حسن الرؤية ، ويؤدي إلى مهاوي الضلال والكفر.
 
أسئلة ومناقشة:
1- لقد حض القرآن الكريم على التأمل والنظر للتوصل إلى الإيمان بالله تعالى، وضح ذلك من خلال آيات القرآن الكريم.
2-     بين موقف الإسلام من الإعراض عن النظر والتأمل . مع ذكر دليل من القرآن الكريم لما تقول.
3-     كيف استطاع أبو حنيفة رضوان الله عليه أن يقيم الحجة على أحد الملحدين ويقوده للإيمان.
4-     ما رأيك فيمن يقول لك أنا غير مؤمن بالله، فكيف نستطيع إقناعه بخطأ اعتقاده، وجعله من المؤمنين.
5-     ما رأيك فيمن يقول: لاشك في الله، ولا يجوز مناقشة هذه القضية مع أحد من الناس.
 
الظواهر الدالة على وجود الله
ما أكثر الظواهر التي تدل على وجود الله، والتي يجدها الإنسان أينما سار، وحيثما اتجه وأنى أراد.
يجدها في هذا الكون البديع المتناسق، الدقيق في صنعه، العجيب في إحكامه.
يجدها في السماء الصافية، والنجوم الزاهية، والكواكب المتناثرة.
قال تعالى:
[اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ](1).
يجدها في هذه الأرض المبسوطة الزاخرة بنباتها ، وخيراتها ، وجناتها ، وكنوزها المكنونة في جوفها وعناصرها وموادها ، وأسرارها التي تنكشف بين الحين والحين ، والتي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى :
[وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ](2).
يجدها في الإنسان والحيوان ، وما أودع الله فيهما من أسماع وأبصار وأفئدة وما مدهما به من هداية وإلهام، وأجهزة دقيقة تؤدي عملها من غير تعارض أو صدام.
قال تعالى :
[وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ* وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ](3).
يراها في البحار والأنهار، وما في مذاقهما من اختلاف، وما في جوفهما من حلية وكنوز وأصداف، وما فوق ظهرهما من فلك تجري وتسير بقدرة العليم الخبير.
قال تعالى:
[مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ  * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ](4).
 
 
وقال تعالى:
[وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ](1).
يراها في هذا الوجود كله حيث التناسق في التركيب ، والوحدة في الاتجاه وخدمة بعضه بعضاً.
فالذرة والمغناطيس ، والراديوم ، والأثير ، والأدرجين والأكسجين ، وغير ذلك من مواد يصعب حصرها ، كلها تتجه إلى شيء واحد ، وهو تحقيق إرادة الله في الكون والحياة.
لو نظر الإنسان لهذا كله لخرج منه بعقيدة ثابتة تملأ قلبه ونفسه ، وهو أن لهذا الكون خالقاً موجوداً ، مبدعاً قادراً.
[لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ](2).
ظاهرة حدوث الكون:
كلما تقدم العلم واتسعت جوانبه، وكلما أعطانا العلماء الكثير من تجاربهم وأبحاثهم واكتشافاتهم ازددنا يقيناً بأن هذا الكون حادث.
أي أنه لم يكن أزلياً فقد كان له أصل بداية.
وأنه لن كون أبدياً فستكون له في يوم من الأيام نهاية.
وأنه لم يوجد مصادفة فقد أوجده رب عليم حكيم، سميع بصير.
وأنه يقوم على موازين ثابتة، لو اختلت فيه شعرة لانفرط عقده، وتلاشى تماسكه وانهار كل ما فيه ومن فيه.
وأن الذي يحفظه ويصونه هو العناية الربانية، والرحمة الإلهية، وهي التي نعيش في ظلها، ونحيا في كنفها ورعايتها، والتي لو حجبت طرفة عين أو أقل لهلكنا، وهلك من في الأرض جميعاً.
وهذه الآية الكريمة تعلن في وضوح وجلاء أن الله جل وعلا هو الذي يحفظ هذا الوجود ويمسكه من أن يقع أو ينهار ، لأنه خالقه ، وموجده وحافظه.
قال تعالى:
[إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً](3).
وقال :
[أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ](4).
 
نظرة في الكون :
وتعال معي نلقي نظرة إلى هذه الأرض التي نعيش عليها، ونستمع إلى فروض العلماء التي فرضوها لو تغير وضعها عما هي عليه - لقد قالوا:
لو أن بعد الأرض عن الشمس كان ضعف بعدها الحالي لنقصت كمية الحرارة التي تصل إليها إلى ربع كميتها الحالية ، ولقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول ، ولتضاعف تبعاً لذلك طول فصل الشتاء ، ولتجمدت الكائنات الحية على سطح الأرض.
ولو حدث عكس ذلك بأن كان بعد الشمس عن الأرض نصف المسافة الموجودة الآن لزادت درجة الحرارة إلى أربعة أمثالها الآن ، ولتضاعفت سرعة الأرض حول الشمس.
ولو فرضنا مرة ثانية : أن الأرض في ربع حجمها الحالي ، لما أمكن لها أن تحتفظ بغلافها الجوي والمائي ، ولبلغت درجة الحرارة على سطحها حد الموت والهلاك.
ولو تضاعف حجم الأرض لتضاعفت جاذبيتها للأجسام ، وانخفض ارتفاع غلافها الهوائي ، وزاد ضغطها مما يؤثر على صور الحياة فيها ، ويحول دون وجود كائنات مفكرة كالإنسان.
ولو أن قشرة الأرض كانت أسمك مما هي عليه الآن بمقدار بضعة أقدام لامتص ثاني أكسيد الكربون والأكسجين، ولما أمكن وجود حياة.
ولو كان الهواء أقل ارتفاعاً مما هو عليه لكانت الشهب التي تحترق بالملايين كل يوم في الهواء الخارجي تضرب في جميع أجزاء الكرة الأرضية ، وكان في إمكانها أن تشعل كل شيء قابل للاحتراق.
ولو أن شمسنا أعطت نصف إشعاعها الحالي لكنا تجمدنا، ولو أنها زادت بمقدار النصف لكنا رماداً منذ زمن بعيد.
ولو أن بعد القمر عن الأرض كان 20.000 ألف ميل بدلاً من البعد الموجود الآن، لكان المد يغمر أرضنا مرتين في اليوم بماء متدفق في قدرته إزاحة الجبال نفسها.
ولو زاد الأكسجين بنسبة 50% بدلاً من وزنه الحالي لأصبح كل شيء قابلاً للاحتراق، وشرارة برق في شجرة كفيلة بحرق غابة من الأشجار.
ولو كانت مياه المحيطات حلوة لتعفنت وتعذرت الحياة.
ولولا اتحاد الكلور مع الصوديوم لما كان هناك ملح ولما كانت حياة.
ولو كان جزء من الأرض ليلاً دائماً، وجزء منها نهاراً دائماً لما عاش أحد في الموضعين ولما كانت حياة.
ولولا وجود الجبال لتناثرت الأرض ، ولما كان لها مثل هذه القشرة الصالحة للحياة.
ولولا المطر لكانت الأرض صحراء، ولولا الرياح والبحار، والمحيطات وكون البخار أخف من الهواء لما كانت حياة.
ولولا قدرة الله لخرت السماء وتزلزلت الأرض تحت الأقدام.
قال تعالى:
[إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً](1).
وقال :
[وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ](2).
وقال :
[اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ](3).
وقال :
[مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ *بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ](4).
ظاهرة التنظيم والتصميم:
إن هذا الكون العظيم يشهد لخالقه بروعة التنظيم ودقة التصميم ، وهذه القدرة المعجزة التي ربط بها أجزاء الكون كله من الذرة إلى المجرة ، حتى أصبح من المحال أن يكون هذا الكون قد جاء تلقائياً أو مصادفة ، أو بفعل الطبيعة كما يزعم الجاهلون المعاندون.
إن نظرة إلى السماء، وإلى ما فيها من إتقان وإحكام، إلى نجومها المعلقة إلى أفلاكها الدائرة، إلى ضوء شمسها، إلى نور قمرها.
ونظرة إلى الأرض ، إلى خلقها وتكوينها ، إلى جبالها وسهولها ، إلى مرتفعاتها ومنخفضاتها ، إلى بحارها وأنهارها ، إلى الأشجار والنباتات ، وإلى التنوع في الطيور والحيوانات ، إلى الإنسان في كل مكان ، حيث تختلف الشكل واللون واللسان.
ونظرة إلى الليل والنهار ، والنور والظلام ، وتركيب الماء والهواء ، وإلى الزوجية في كل شيء على ظهر هذه الأرض ، وإلى طبائع المخلوقات واختلاف الموجودات.
إن نظرة إلى هذا كله أو بعضه تهتف في أعماقنا بأن وراءه رباً مدبراً وخالقاً عظيماً، يقول للشيء كن فيكون.
العلماء ماذا يقولون؟:
سأل الناس يوماً الفلكي الشهير " نيوتن " أن يأتيهم بدليل على وجود الله يكون من درجة المحسوسات ، فقال لهم : " لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون الضرورة وحدها هي قاعدة الوجود ، لأن ضرورة عمياء متجانسة في كل زمان وفي كل مكان ، لا يتصور أن يصدر منها هذا النوع من الكائنات ولا هذا الوجود كله مما فيه من ترتيب أجزائه وتناسبها مع تغييرات الأزمنة والأمكنة ، بل إن كل هذا لا يعقل أن يصدر إلا من وجود أعلى حكمة وإرادة.
ومن المحقق أن الحركات الحالية للكواكب لا يمكن أن تنشأ من مجرد فعل الجاذبية العامة ، لأن هذه القوة تدفع الكواكب نحو الشمس فيلزم لأجل أن تدور هذه الكواكب حول الشمس ، أن توجد يد إلهية تدفعها على الخط المماس لمداراتها"(1).
قال تعالى :
[الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ](2).
ويقول: كلوم. م . هانواي مصمم العقل الإلكتروني : " ليس العالم من حولنا إلا مجموعة هائلة من التصميم والإبداع والتنظيم ، وبرغم استقلال بعضها عن بعض ، فإنها متشابكة متداخلة ، وكل منها أكثر تعقيداً في كل ذرة من ذرات تركيبها من ذلك المخ الذي صنعته ، فإذا كان هذا الجهاز يحتاج إلى تصميم ، أفلا يحتاج ذلك الجهاز الفسيولوجي الكيميائي البيولوجي الذي هو جسمي والذي ليس بدوره إلا ذرة بسيطة من ذرات هذا الكون إلى مبدع يبدعه!؟"(3).
 قال تعالى:
[وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ *لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ](4).
من الذي أشرف على نظامها، وهيمن على مدارها، بل من الذي أمسك بأجرامها الهائلة ودفعها لتجري بهذه القوة الفائقة؟
من وراء هذا النظام؟ هل وجد مصادفة؟ أو لأن الله تعالى هو المنظم المبدع؟
لو كنت تملك مطبعة فيها من الحروف نصف مليون حرف مثبتة في صناديقها،فجاءت هزة أرضية قلبت الصناديق فتبعثرت الحروف واختلطت فجاء صاحبها يخبرك بأنه قد تألف من اختلاط هذه الحروف خمس كلمات لا ترتبط مع بعضها من حيث المعنى، فإنك تحتمل ذلك.
ولو قال لك إن الكلمات الخمس ألفت جملة مفيدة كاملة، فإن قبولك لهذا الاحتمال يخف عن الحالة الأولى، وما ذلك إلا لزيادة التعقيد، ولكن لو أخبرك أن الحروف في أثناء اختلاطها شكلت كتاباً كاملاً مكوناً من 300 صفحة يحتوي على قصيدة شعرية واحدة مترابطة من حيث اللفظ والوزن والمعنى، فلا شك أنك ترى استحالة تحقيق ذلك عن طريق المصادفة، وما ذلك إلا لأن الصورة وصلت إلى درجة من التعقيد، بحيث لا يتسنى للعقل البشري قبول مثل هذا الاحتمال.
ما هذا إلا حادث جزئي، فما بالك بهذا الكون، بأرضه وسمائه ومجراته وأحيائه وجماداته وكل شيء فيه، كيف يقبل العقل البشري أن يوجد ذلك كله مصادفة؟
مثال آخر عن القبول بالمصادفة :
مثل أحد العلماء القائلين بالمصادفة بهذا المثل فقال:
إن مثلهم كمثل اثنين ضاعا في الصحراء، فمرا على قصر كبير عامر فيه الجدران المزخرفة المنقوشة، والسجاد الثمين والساعات والثريات.
قال الأول :
إن رجلاً بنى هذا القصر وزينه وفرشه.
فرد عليه الثاني وقال :
أنت رجعي متأخر هذا كله من عمل الطبيعة.
قال : كيف كان من عمل الطبيعة؟
قال: كان هنا حجارة فجرفها السيل والريح والعوامل الجوية، فتراكمت، وبمرور القرون وبالمصادفة صارت جداراً.
قال: والسجاد؟
قال: أغنام تطايرت أصوافها وامتزجت، وجاءتها معادن ملونة فانصبغت، وتداخلت فصارت سجاداً.
قال: والساعات.
قال: حديد تآكل بفعل العوامل الجوية وتأثيرها، وتقطع وصار دوائر وتداخل، وبمرور القرون صار على هذه الصورة.
ألا تقولون : إن هذا مجنون؟
هل المصادفات هي التي جعلت الخلية من خلايا الكبد التي لا ترى إلا بالمجهر تقوم بأعمال كيميائية تحتاج إلى آلات تملأ بهواً كاملاً، ثم لا تستطيع أن تقوم إلا بجزء منها؟
هذه الخلية تحول السكر الزائد في الدم إلى مولد سكر العنب (جلايكوجين) لتستعمله عند الحاجة بعد إعادته إلى (كليكوز) وتفرز الصفراء، وتعدل ( الكولسترول) في الدم، وتصنع الكريات الحمراء، ولها بعد ذلك أعمال أخرى.
وهل المصادفات هي التي جعلت في اللسان تسعة آلاف عقدة صغيرة كلها تصلح للذوق، وفي كل أذن مائة ألف خلية للسمع كلها صالحة لذلك.
وفي كل عين مائة وثلاثون مليون خلية كلها تصلح لاستقبال الضوء.
كل هذه الحقائق وغيرها كثير، الله ربها، وهو الذي أوجدها، وهو الذي يحفظها، وهو الذي يحولها من حال إلى حال، وهو الذي جعل في كل ذرة منها ما يدل كل عاقل عليه، ويرشد كل ذي قلب سليم إليه.
 
أسئلة ومناقشة:
1-    عدد أركان الإيمان مستدلاً بآية كريمة وحديث شريف.
2-    هل يكون المؤمن مؤمناً إذا فقد ركناً من هذه الأركان؟
3-    لماذا نحن في حاجة إلى الإيمان بالله؟
4-    هل العقل يكفي لهداية الإنسان ولماذا؟
5-    الإيمان بالله فطرة في الإنسان اشرح ذلك، مبيناً متى تظهر هذه الفطرة؟ ومستدلاً بآية من القرآن الكريم.
6-    كيف تصل بعقلك إلى الإيمان بالله مع ذكر بعض الآيات التي تدعو للتفكر والتدبر والنظر؟
7-    هناك ظواهر كثيرة تدل على وجود الله اذكر بعضاً منها.
8-    هل تستقيم الحياة من غير إله؟ ولماذا؟
9- الكون يقوم على نظام دقيق وموازين معتدلة. اذكر بعض آراء العلماء فيما لو اختلت هذه الموازين قرباً أو بعداً، قلة أو كثرة.
10- يقول الجاهلون: إن العالم وجد مصادفة فكيف ترد عليهم؟
11- ويقول الجاهلون كذلك : إنه وجد من غير موجد فكيف رد عليهم الإمام أبو حنيفة النعمان t؟ وهل كان في رده فائدة؟
 
مقرر الفصل الدراسي الثاني
الفصل الثالث
العقيدة الإسلامية تقوم على التوحيد
توحيد الله تعالى
توحيد الربوبية.
توحيد الألوهية.
توحيد الأسماء والصفات.
مقارنة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية.
مظاهر التوحيد في دين الله.
التوحيد أساس الإسلام وشعاره.
التوحيد حق الله على العباد.
التوحيد رسالة المسلم والأمة المسلمة.
التوحيد دعوة كل نبي.
بماذا يتحقق التوحيد؟
 
العقيدة الإسلامية تقوم على التوحيد
توحيد الله تعالى :
معناه:
هو إفراد الله تعالى بالعبادة والإنابة والرجاء والخوف، وتنزيهه عن الشريك والمثيل، والخضوع لأوامره، والاجتناب لنواهيه.
قال تعالى :
[فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ](1).
أقسامه: ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
الأول : توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الألوهية.
الثالث: توحيد الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية
معنى الرب :
الرب في اللغة هو المالك المدبر ، وربوبية الله في خلقه تعني تفرده سبحانه في خلقهم، وملكهم ، وتدبير شئونهم.
توحيد الربوبية:
 هو الإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه، وخالقه، ورازقه، وأنه المحيي المميت، النافع الضار، المجيب للدعاء،الرافع للبلاء.
وأنه لا معقب عليه في حكمه، وكل ما سواه، لا يملك لنفسه، ولا لغيره نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه ومشيئته.
وتوحيد الربوبية لا يكون كافياً إلا إذا انضم إليه لازمه، وهو توحيد الألوهية الذي سنعرفه فيما بعد.
 
 
المنكرون لتوحيد الربوبية:
لم ينكر هذا التوحيد ويجحده إلا الماديون الملحدون الذين ينكرون وجود الله تعالى كالدهريين فيما مضى حيث كانوا يقولون:
[نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ](1).
والشيوعيون الآن، ومن سلك مسلكهم المادي الذي يرجع كل شيء إلى المادة، والذين لا إله لهم إلا الآلة والمصنع.
المشركون وتوحيد الربوبية :
لقد حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد.
قال تعالى :
[وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ](2).
وقال تعالى :
[وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ](3).
وقال تعالى :
[قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ](4).
هل إقرارهم يكفي :
إن رد المشركين وإقرارهم بربوبية الله للكون وتدبيره لأمره لا ينفعهم ولا يشفع لهم ، لأنهم كانوا يقرون وفي الوقت نفسه يثبتون مع الله الشفعاء والأنداد ، والأرباب ، وبذلك لم يكونوا من المسلمين.
ولقد حكى عنهم القرآن الكريم ذلك فقال تعالى:
[وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ](5).
لقد كان المشركون يقرون فعلاً بأن الله رب كل شيء، ولكنهم كانوا لا يوحدونه في ألوهيته.
وليس كل من أقر بالله رباً يكون موحداً له في ألوهيته، ومفرداً له في عبادته، راجياً رحمته، خائفاً من عذابه. قال تعالى:
[وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ](6).
توحيد الألوهية:
معنى الإله :
الإله هو المعبود المطاع ، وهو الذي تؤلهه القلوب محبة وإجلالاً ، فهي تخضع له وتذل ، وتخاف وترجو ، وتدعوه وتتوكل عليه ، وتطمئن بذكره وتسكن على حبه وقربه.
قال تعالى :
[الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ](1).
توحيد الألوهية:
هو إخلاص العبادة لله تعالى، وإفراده بالطاعة والتوكل، والرغبة والرهبة، والدعاء، والرجاء.
وهو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه هو الإله الحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه وأنه المعبود بحق في الأرض وفي السماء.
فالمسلم يتوجه بعبادته كلها ظاهرها وباطنها لله وحده، ولا يجعل فيها شيئاً لغيره مهما كان ذلك الغير.
وهذا التوحيد هو المقصود بقوله تعالى:
[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ](2).
وقوله تعالى :
[فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ](3).
توحيد الربوبية والألوهية متلازمان:
لو تمعنت في معنى الربوبية والألوهية لوضح لك أنهما أمران متلازمان ، فالله تعالى رب كل شيء ، وهو الخالق المالك ، المحيي المميت ، النافع الضار ، فهو بذلك المستحق للعبادة ، فلا معبود سواه ، وهو المستحق للطاعة ، فلا أمر مقدم على أمره ، وهو المستحق للتوكل عليه ، فلا اعتماد على غيره، وهو المستحق للتوجه والإنابة، فلا دعاء إلا له ، ولا طلب من سواه، ولا رجاء إلا فيه.
قال تعالى:
[وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً](4).
 
 
 
 
مقارنة بين توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية
هناك فوارق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية نشير إليها فيما يأتي :
توحيد الربوبية
توحيد الألوهية
هو الإقرار بأن تعالى رب كل شيء وخالقه ومدبره.
 
هو اعتقاد وتصديق بالقلب دون حاجة إلى غيره.
 
يقتضي توحيد الألوهية لأنه كالسبب له والبرهان عليه.
 
واضح وجلي يقر به أكثر الناس ويعتمد عليه الرسل حين يدعون لتوحيد الألوهية.
 
لا يكن العبد به مسلماً حتى يقرنه بتوحيد الألوهية فقد حكى عن المشركين إقرارهم به، ولم يكونوا من المسلمين لأنهم جحدوا توحيد الألوهية، وعبدوا مع الله آلهة أخرى.
هو إخلاص العبادة لله وحده وإفراده بالتأله والطاعة والإنابة والتوكل.
 
هو اعتقاد بالقلب، وعمل وسلوك وانقياد موافق لما استكن في القلب.
 
هو لازم لتوحيد الربوبية، ونتيجة حتمية له فما يستحق أن يعبد ويطاع إلا خالق الكون ومدبره.
 
خفي ودقيق غفل عنه كثير من الناس، ومن هنا عنى به الرسل، وكان أول شيء دعوا الناس إليه.
 
هو أول الدين وآخره، وهو لب الإسلام وبه يتحرر الفرد من كل عبودية لغير الله تعالى ، وبه تكون سعادة الإنسان في الدنيا ، ونجاته من عذاب الآخرة
 
 إن وجود الألوهية في أية صورة أمر مفروغ منه وغير مختلف عليه.
ولكن الوحدة في الألوهية والدعوة إليها ، هي دعوة الرسالات الإلهية ودعوة كل رسول كلف بها.
قال تعالى:
[قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ](1).
 
 
 
 
توحيد الأسماء والصفات:
معناه:
هو إقرار المسلم بأن الله سبحانه وتعالى قد سمى نفسه بأحسن الأسماء ووصف ذاته العليا بأكمل الصفات.
وهذه الأسماء والصفات لا تنبغي لأحد غير الله، ولا يتصف بها على حقيقتها سواه.
فكل ما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به الرسول الكريم ، نثبته له سبحانه بالصورة التي أرادها ، والحقيقة التي أرادها ، والحقيقة التي اختارها من غير تحريف أو تشبيه.
قال الله تعالى:
[هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ](1).
حظ المسلم من الإيمان بأسماء وصفاته :
حظ المسلم من معرفة أسماء الله وصفاته، وإيمانه بها، وهو التخلق بشيء مما تدل عليه هذه الأسماء وتلك الصفات، وأخذ النفس بمدلولها في حدود الطاقة البشرية.
فيكون المسلم رحيماً، وعادلاً، وكريماً، وشكوراً، وعزيزاً، وقوياً ورءوفاً، إلى غير ذلك مما تدل عليه هذه الأسماء ، وتلك الصفات من الخلال الكريمة ، والصفات الحميدة.
متى يكون التوحيد كاملاً :
يكون التوحيد كاملاً حين ينضم توحيد الألوهية إلى توحيد الربوبية ، وينضم إليهما توحيد الأسماء والصفات.
فأي توحيد من هذه لا يكفي وحده ولا يفيد بمفرده ، فالمشركون من العرب ، كانوا يقرون بالله رباً ولكنهم أشركوا معه آلهة أخرى ، زعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى وقالوا كما حكى الله عنهم :
[مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى](2).
والنصارى اعترفوا بالله رب السموات والأرض ، ولكنهم اتخذوا المسيح ابن مريم إلهاً من دون الله ، فاعتبرهم القرآن الكريم بسبب ذلك كفاراً.
قال تعالى:
[لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ](3).
وقال تعالى :
[لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ](1).
 
 
أسئلة ومناقشة:
1)     القرآن الكريم يحمل لواء التوحيد ، وضح ذلك مستشهداً بآية من القرآن الكريم.
2)     إن ذات الله واحدة ، ومن المستحيل وجود ذات تشبهه، وضح ذلك.
3)     كيف تثبت استحالة وجود العالم، لو كان مع الله تعالى إله آخر؟
4)     كيف ترد على من يقول: يمكن أن يكون هناك إلهان في آن واحد؟
5)     ما معنى توحيد الربوبية؟ وما موقف مشركي مكة من هذه القضية؟ وضح ذلك مع الاستشهاد بآيتين من القرآن الكريم.
6)     هل يكفى أن يقر الإنسان بربوبية الله تعالى في حين يعبد سواه؟ ما رأيك فيمن يفعل ذلك؟
7)     ما معنى توحيد الألوهية وضح ذلك من خلال مثالين من القرآن الكريم.
8)     كيف يكون موقف المسلم تجاه توحيد الألوهية ، وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات؟
9)     أكمل العبارات الآتية بوضع الكلمات المناسبة في الفراغات.
‌أ-         المشركون يعتقدون أن الله هو .... وهو .... ، وهو .... ولكنهم أثبتوا مع الله .... و .... و .....
        ‌ب-      لقد كان المشركون يقرون فعلاً بأن الله هو .... كل شيء ولكنهم كانوا لا .... في ...
         ‌ج-       ليس كل من أقر بالله رباً يكون ... له في ....، ومفرداً له بالعبودية....
 
عقائد الناس قبل الإسلام
كانت عقيدة تعدد الآلهة منتشرة انتشاراً واسعاً بين الناس عامة، وفي بلاد العرب خاصة قبيل نزول الإسلام، يتجلى ذلك في عبادة الأصنام التي دخلت أكثر بيوت العرب في جزيرتهم، حيث كانوا يقدسونها، ويقدمون لها القرابين.
وعبد بعض العرب أسلافهم فقدسوا أرواحهم، وبعضهم عبد الشمس، وبعضهم عبد القمر، وآخرون منهم عبدوا النار متأثرين بعبادة الفرس لها.
وقد انتشرت النصرانية واليهودية في بعض القبائل العربية، ولكن بعدما اعتراها من التحريف والانحراف الشيء الكثير، وكان ذلك في بلاد اليمن والمدينة المنورة.
وهناك جماعة من العرب اعتقدت بوجود إله واحد عبدته ووحدته، منهم ورقة بن نوفل، وقد كانوا على ملة إبراهيم عليه السلام، وكانوا يعرفون بالحنفاء واطلعوا على الكتب السماوية السابقة، وقادهم ذلك كله إلى عقيدة التوحيد، فاجتنبوا الخمر والأعمال المنكرة، ونصحوا الناس بالابتعاد عن عبادة الأصنام.
إلى جانب هذه العبادات والعقائد كانت هناك طائفة من العرب أنكرت وجود الله تعالى ، وقالوا بأزلية هذا الوجود، وقد سموا بالدهريين وأشار القرآن الكريم إليهم بقوله :
[وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ](1).
هذا حال العرب، ولم يكن حال بقية الأمم والشعوب بأحسن من ذلك، بل كان الشرك يعم الناس بصورة أو بأخرى، فعبد الهنود البقر، وعبد الفرس النار، وعبد اليابانيون ملوكهم، وعبد الصينيون الأرواح وغيرها، فما من أمة إلا وعبدت آلهة من دون الله تعالى.
نظرة الأمم إلى آلهتها :
إن الناس عندما عبدوا هذه الأشياء، لم يعتقدوا بأنها الخالق لهم، بل كانوا يعتقدون أن روح الإله قد حلت في هذه المخلوقات، فعبدوها من دون الله تعالى الذي خلقهم لتقربهم إليه، ولتكون شفيعاً لهم عنده، ويظهر ذلك جلياً في عبادة العرب للأصنام، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى :
[مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى](2).
الإسلام وهذه العقائد:
نبه القرآن الكريم إلى فساد هذه العقائد، وبين لأتباعها أن هذه الآلهة التي عبدوها من دون الله الذي خلقهم،هي مخلوقة مثلهم لا تملك لهم نفعاً ولا ضراً،بل لا تملك التلبية لمطالبهم،فهي دونهم في المنزلة.
قال تعالى :
[إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ](3).
وضرب لهم أمثالاًَ بين لهم فيها عجز هذه الآلهة عن الخلق، وتحداها أن تخلق ذباباً وما هي بقادرة.
قال تعالى:
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ](1).
القرآن الكريم يحمل لواء التوحيد:
ولقد حمل القرآن الكريم لواء التوحيد للناس،وفند كل الشكوك التي توهم بغير ذلك، وأقام البرهان واضحاً جلياً في الكثير من آياته الكريمة.
قال تعالى:
[قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ](2).
وقال تعالى:
[مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ](3).
بعد أن وضحنا لك أن العقيدة الإسلامية تقوم على التوحيد، وتنفي عن الله تعالى الشركاء، نود أن نوضح مظاهر التوحيد في دين الإسلام، وهذا هو الموضوع القادم.
 
أسئلة ومناقشة:
1)     وضح العلاقة بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية.
2)     قارن بين توحيد الألوهية ، وتوحيد الربوبية من حيث المضمون والموضوع ومواقف الناس منهما.
3)     اختر الإجابات الصحيحة من الإجابات المقابلة للجمل التالية، وضع عليها علامة (√).
‌أ-         عبد قوم نوح         ( الأصنام – يغوث – العجل)  
        ‌ب-      عبد قوم إبراهيم                ( البقر – سواعاً – الأصنام)
         ‌ج-       عبد المصريون القدماء          ( الأصنام – العجل – يعوق)
          ‌د-        عبد الهندوس                   ( النار – البقر – الأصنام )
‌ه-        عبد المجوس                   ( نسر – الأصنام – النار )
          ‌و-        عبد العرب في الجاهلية         ( العجل – الأصنام – النار )
4)     بين معبودات العرب في الجاهلية، وعلى ماذا يدل انتشار هذه العقائد بينهم.
5)     وضح معبودات الأمم الأخرى قبيل نزول الإسلام.
6)     اذكر موقف الإسلام من هذه العقائد وكيف واجهها؟
7)     القرآن الكريم حامل لواء التوحيد ، اذكر آية من القرآن الكريم تدل على ذلك.
8)     ما رأيك فيمن يعتقد أن الله تعالى هو خالقه، ولكنه يعبد الأصنام؟ وماذا يعتبر هذا الشخص من وجهة نظر الإسلام؟
 
مظاهر التوحيد في دين الإسلام
أولاً : التوحيد أساس الإسلام وشعاره :
عرفت في الدروس الماضية معنى التوحيد ، وعرفت توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، والفرق بينهما ، وعرفت توحيد الأسماء والصفات ، وضرورة محاكاتها ، والتشبه بها، والقرب منها، حتى يعيش الإنسان مع الله في عدله وقوته، وغناه ورحمته، وعلمه وقدرته.
ونريد أن نعرف الآن. ما مركز هذا التوحيد بالنسبة للإسلام؟
وهل يمكن أن يتحقق الإسلام من غير توحيد؟
وجواب هذا:
أن الإسلام جعل التوحيد أساساً له، وشعاراً يدل عليه، فإذا ذكر الإسلام كان التوحيد معه.
وبالتوحيد يتميز الإسلام عن غيره من الديانات الحديثة والقديمة، وبه تنزلت آيات القرآن الكريم على قلب النبي محمد  صلى الله عليه وسلم .
وبه تميزت دعوات الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى:
[قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ](1).
وقال تعالى :
[مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ](2).
ثانياً : التوحيد حق الله على العباد:
إن المسلم يوحد الله ويعبده، لأن الله صاحب نعمته، وهو الذي يمده بالخير والهدى والرشاد.
وإذا كان الإنسان عبد الإحسان – كما يقولون – فهو إذن عبد الله، لأن الله رب كل إحسان، وصاحب كل فضل على الإنسان.
يحكي القرآن الكريم عن سيدنا إبراهيم وهو يحاور قومه ليبين لهم نعم الله تعالى عليهم فيقول:
[قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ](3).
وبعد أن ذكر عداءه لآلهة قومه ذكر حبه لربه، وبين بعضاً من أسباب ذلك الحب فقال :
[الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ](4).
وإذا كان التوحيد هو واجب العباد نحو ربهم، فهو كذلك حق الله عليهم.
قال تعالى:
[وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً](1).
وعبادة الله تشمل كل أنواع العبادات من صلاة، ودعاء ، وزكاة، وصوم ونسك ، والقيام بكل أمر فيه طاعة لله عز وجل، لأنه الخالق الرازق لهم وهذا حق الله على عباده المنعم المتفضل عليهم ، فهو الذي أوجدهم من العدم ، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة.
عن معاذ بن جبل t قال: [ كنت رديف النبي  صلى الله عليه وسلم  على حمار، فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت : الله ورسوله أعلم.
قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله، ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قلت يا رسول الله: أفلا أبشر الناس قال: لا تبشرهم فيتكلوا ](2).
ثالثاً : التوحيد رسالة المسلم والأمة المسلمة :
إذا كانت رسالة الطبيب في الحياة أن يعالج مرضاه.
ورسالة الحاكم أن يقيم الحق والعدل فيمن يرعاه.
ورسالة العالم أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر.
فإن رسالة المسلم مع هذا كله هي إقامة التوحيد، وبذل الجهد في الدعوة إليه والعمل له.
لقد خلق الله الإنسان ، وبين له وظيفته في الحياة. فقال تعالى :
[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ](3).
إن المسلم يستقبل حياته بالتوحيد، ويختمها بالتوحيد، فهذه وظيفته وتلك رسالته، لم يرد الله منه ما يريد السادة من العبيد، أو الأقوياء من الضعفاء.
وإذا كان ذلك بالنسبة للفرد المسلم، فهو كذلك بالنسبة للأمة المسلمة، فهي مكلفة بذلك، ترصد له من أموالها ورجالها ما يوصلها إلى الهدف المطلوب بين الأمم والشعوب.
وكذلك كان النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وكان أصحابه، وكان التابعون ، حملوا لواء التوحيد ، وحرروا به الضعفاء والعبيد.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له ، إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وفي رواية " أن يوحدوا الله "(4).
وكان النبي  صلى الله عليه وسلم  يختم دعوته للملوك والأمراء وأهل الكتاب بهذه الآية الكريمة :
[قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ](1).
رابعاً : التوحيد دعوة كل نبي لقومه :
عرفنا فيما سبق أن التوحيد دعوة الفرد المسلم ، والأمة المسلمة ، وواجبهما في الحياة وما خلقهم الله في هذا الوجود إلا من أجله.
وفوق ذلك هو دعوة الأنبياء إلى أقوامهم، ونداء الرسل لمن أرسلوا إليهم.
لقد كانت أولى كلمات الأنبياء هذه العبارة المضيئة :" اعبدوا الله " قال تعالى :
[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ](2).
وقال :
[وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ](3).
وقال :
[وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ](4).
وقال :
[وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ](5).
وقال :
[وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ](6).
وقال :
[وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ](7).
تلك كانت دعوة الرسل ، وهذه نداءاتهم إلى أقوامهم، رسولاً بعد رسول ، ونبياً بعد بني ، حتى جاء خاتمهم محمد  صلى الله عليه وسلم  فقال له ربه :
[وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ](8).
فكان بذلك اللبنة التي كمل بها البناء، وكانت دعوته إلى التوحيد طريقاً لتخليص الناس مما كانوا فيه من شرك وضلال.
 
أسئلة ومناقشة:
1)     بين مركز التوحيد في دين الإسلام واستشهد بآيتين من القرآن الكريم.
2) التوحيد حق الله على العباد، وضح هذه العبارة، من خلال ضرب مثال من القرآن الكريم يوضح فضل الله تعالى على العباد.
3)     ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله؟ وضح ذلك من خلال حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم .
4)     ما هي الوظيفة التي من أجلها خلق الله الإنسان؟ وضح ذلك مستشهداً بآية من القرآن الكريم.
5) إقامة التوحيد في الأرض رسالة كل مسلم بل رسالة الأمة الإسلامية. وضح ذلك من خلال موقف من مواقف الرسول  صلى الله عليه وسلم .
6)     التوحيد دعوة كل نبي إلى قومه استشهد بثلاثة مواقف من القرآن لكريم لذلك.
 
بأي شيء يتحقق التوحيد
التوحيد رسالة المسلم في الحياة، ورسالة الأمة المسلمة في كل زمان ومكان، ودعوة الأنبياء والرسل إلى أقوامهم ما تخلف منهم أحد.
فيوسف عليه السلام وهو في سجنه قال لمن معه كما حكى القرآن الكريم عنه :
[أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ](1). ولكن بم يتحقق هذا التوحيد حتى يصل بنا إلى الثمرة المطلوبة، والهدف المقصود؟ يتحقق التوحيد بثلاثة أمور :
الأمر الأول: العبودية الخالصة لله وحده.
الأمر الثاني: اجتناب الطواغيت والكفر بها، والبراءة ممن عبدوها.
الأمر الثالث: البعد عن الشرك وأسبابه.
العبودية الخالصة لله :
هي إعطاء الألوهية ما تستحقه من الإجلال والتعظيم، والمحبة والطاعة والتفويض المطلق في كل الأمور، ويتحقق ذلك بأمور ثلاثة:
أولاً : عدم اتخاذ الإنسان رباً غير الله يجله ويعظمه ويقدسه. قال تعالى :
[قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ](2).
إن الأرباب التي عبدها الناس من دون الله يجب أن تزول، وتنتهي حتى تتحقق العبودية الخالصة لله رب العالمين.
ثانياً: ألا يوالي الإنسان أحداً غير الله يمنحه حبه ورضاه، قال تعالى:
[وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ](3).
فهم يحبون أندادهم وأولياؤهم ويعظمونهم، ويخافونهم كخوفهم من الله بل أشد خوفاً، ومن فعل ذلك فقد هدم ركناً من أركان التوحيد. فالمسلم حبيبه الله ، ووليه الله ، ومعبوده الله.
قال تعالى:
[قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ](4).
ثالثاً : ألا يرضى بغير الله حكماً يطيعه ويلتزم أمره.
قال تعالى :
[أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً](5).
إن الله هو الذي خلق الإنسان، وهو أعلم بما يفسده، وما يصلحه، ولقد نهاه عما يفسده، وأمره بما يصلحه، ووضح له الطريقين، وبين السبيلين.
قال تعالى :
[وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ](1).
وقال :
[وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا](2).
وقال :
[أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ](3).
فكل تشريع لابد أن يكون من عند الله وحده، وكل تحاكم لابد أن يكون إلى الله وإلى رسوله الكريم.
قال تعالى:
[إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ](4).
وقال تعالى:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً](5).
الكفر بالطواغيت:
عرفنا أن العبودية الخالصة لله هي أول عنصر يتحقق به التوحيد. أما العنصر الثاني: فهو الكفر بالطواغيت، والطاغوت كلمة مشتقة من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، ومعناها هنا هو كل ما عبد من دون الله تعالى: وفسر بعض العلماء الطاغوت بأنه كل دولة أو سلطة أو قيادة، أو شخصية تبغي على الله، وتتمرد على أحكامه، وتنصب نفسها مهيمنة على خلق الله تحملهم بالإكراه على طاعتها، وتغريهم بإتباعها، والتسبيح بحمدها.
قال تعالى:
[فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا].(6)
وقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : [ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله، ودمه وحسابه على الله](7).
ولقد تبرأ سيدنا إبراهيم عليه السلام من آلهة قومه، وأعلن عداوته لكل ما يعبدون من دون الله.
قال تعالى:
[وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ](1).
إن التوحيد لا يتم ولا يكون توحيداً بالمعنى الصحيح، حتى يخلص الإنسان عبادته لله، ويتبرأ من كل ما سواه.
فمن أشرك مع الله غيره فقد حبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين.
قال تعالى:
[وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ](2).
البعد عن الشرك:
عرفنا أن التوحيد يتحقق بإخلاص العبودية لله والكفر بالطواغيت، ووقفنا على معنى الإخلاص في العبودية، ومعنى الطواغيت والكفر بها.
ونتعرف الآن على العنصر الثالث من عناصر كمال التوحيد وتمامه وهو: البعد عن الشرك وسد منافذه.
فما هو الشرك؟ وما أنواعه؟
معنى الشرك :
الشرك أن يجعل الإنسان لله شريكاً فيما هو من خالص حقه، وخالص حق الله تعالى عبادته، وعدم الإشراك به.
والشرك ضد التوحيد، كما أن الكفر ضد الإيمان.
والشرك وهو اتخاذ آلهة مع الله لا يقبل الله معه عملاً، بل هو مبطل لكل عمل، لأن أول شروط قبول الأعمال خلوصها لله رب العالمين.
قال تعالى:
[فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً](3).
إن الشرك في ربوبية الله، وفي أسمائه وصفاته تكذيب له، والشرك في عبادته تأليه لغيره، وكلا الأمرين كفر.
قال تعالى:
[إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ](4).
أنواع الشرك:
الشرك نوعان : شرك أكبر ، وشرك أصغر.
الشرك الأكبر:
هو ما كان كفراً منافياً للتوحيد، ومانعاً لصاحبه من دول الجنة وهو: الشرك في ربوبية الله وعبادته كالذين عبدوا المسيح أو عبدوا العجل والبقر والكواكب والأحجار والأصنام، وهذا ما يعرف بالشرك الجلي. أو كان دعاء لغير الله، أو استعانة بسواه، وهو ما يعبر عنه بالشرك الخفي.
وذلك لخفائه على الكثير من الناس، ظناً منهم بأنهم ما داموا لا يعتقدون في ألوهية من يدعونهم، أو يستعينون بهم، فلا بأس في ذلك، ولا غضاضة من اتخاذهم شفعاء أو وسائط عند الله.
وهذا الفهم هو ما وقع فيه المشركون حين قالوا:
[مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى](1).
من هذا نعلم أن الشرك الأكبر منه ما هو جلي، ومنه ما هو خفي كما تبين من هذا العرض البسيط، وكلاهما يؤدي إلى جهنم وبئس المصير.
الشرك الأصغر:
هو ألوان وأنماط أخرى من الشرك أقل درجة مما ذكر، جبلت عليها النفس واستحسنها الهوى، كالحلف بغير الله، بأن يقسم بالكعبة، أو بولي من الأولياء، وكتعليق التمائم اعتقاداً أنها تدفع الأذى وتبعد الضرر، وكالرقي غير المشروعة، والرياء، كل هذه الأشياء تعتبر من كبائر الذنوب التي يجب على المسلم أن يبتعد عنها، لأنها تخدش التوحيد، وتذهب العمل الصالح.
روى أحمد عن عقبة ابن عامر مرفوعاً: [ من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله].
وفي رواية: [ من تعلق تميمة فقد أشرك].
والمقصود بتعلق، أي علقها وقلبه متعلق بها، ويعتقد أنها تدفع الشر،وتجلب الخير، مع أن الذي يأتي بالخير، ويدفع الضر هو الله رب العالمين.
قال تعالى:
[وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ](2).
 
 
أسئلة ومناقشة:
1- يتحقق التوحيد بالأمور التالية:
(أ)
(ب)
(ج)
2- تتحقق العبودية الخالصة لله تعالى بالأمور التالية:
(أ)
(ب)
(ج)
3- ما معنى أن تكون العبادة خالصة لله تعالى؟
4- عقيدة التوحيد تقتضي من صاحبها ألا يرضى بغير الله حكماً يطيعه ويلتزم أمره، وضح ذلك مستشهداً بآيتين من القرآن الكريم.
5- ما معنى الطواغيت وما موقف الإسلام منها؟
6- عقيدة التوحيد تقتضي الكفر بالطواغيت، وضح ذلك مستشهداً بآيتين من القرآن الكريم.
7- ما معنى الشرك، وما أنواعه.
8- ما رأيك فيمن يقوم بأحد التصرفات التالية.
(أ) إنسان يعبد البقر.
(ب) رجل يعبد المسيح عليه السلام.
(ج) رجل فقير يعتمد في رزقه على أحد الأغنياء.
(د) مسلم يحلف بأحد الأنبياء أو الأتقياء.
(هـ) امرأة تعلق تميمة في عنق ابنها لدفع المرض عنه.
 
الفصل الرابع
صور تتنافى مع التوحيد
الاستعانة بغير الله.
تشريع ما لم يأذن به الله.
الطيرة والتطير.
الحلف بغير الله.
السحر.
الكهانة والعرافة.
الذبح لغير الله.
 
صور من الواقع تتنافى مع التوحيد
الاستعانة بغير الله:
إذا كان الإنسان ضالاً فبمن يستعين ليهديه؟
وإذا كان مريضاً فبمن يستعين ليشفيه؟
وإذا كان فقيراً فبمن يستعين ليغنيه؟
وإذا كان ضعيفاً فبمن يستعين ليقويه؟
هل يستعين بضال أو مريض أو فقير أو ضعيف مثله؟ أم يستعين بمن لا تلحقه صفات النقص، بقوي غني لا يمرض ولا يضل ولا ينسى وهو الله رب العالمين.
[الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ  * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ](1).
والذي يتوجه إليه دائماً بقوله:
[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ](2).
إن الاستعانة هي طلب العون على قضاء حاجة، أو الخروج من ضيق أو التغلب على مشكلة.
ولا يطلب ذلك من عاجز لا يقدر، ولا من غائب لا يسمع الدعاء، ولا يلبي النداء، ولا من مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
إن قضاء الحاجات وتفريج الكربات لا تطلب إلا من الله رب العالمين الذي قال في كتابه الكريم:
[وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ](3).
وقال:
[وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ](4).
والذي وصانا به النبي  صلى الله عليه وسلم  في وصيته لابن عباس حيث قال له:
[ يا غلام إني أعلمك كلمات، أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف](5).
 
الاستعانة لا تكون إلا بالله:
مما ذكر تفهم أن السؤال لا يكون إلا لله، والاستعانة لا تكون إلا بالله،فالله وحده هو الذي يمك الإجابة، وهو وحده الذي يرفع الضر، وهو وحده القادر على العطاء.
قال تعالى:
[قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ](1).
وقال مندداً بالمشركين دعاءهم غير الله:
[وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ](2).
خلاصة هذا:
أن دعاء غير الله والاستعانة به سواء كان ذلك الغير حياً أو ميتاً،نبياً أو صالحاً، يعتبر نوعاً من الشرك، ويتنافى مع توحيد الله، وإخلاص العبودية له.
إن الله أقرب إلينا من حبل الوريد فادعه وحده، واستعن به وحده فإن كنت فقيراً فهو الذي يغنيك:
[وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى](3).
وإن كنت مريضاً فهو الذي يشفيك:
[وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ](4).
وإن كنت جاهلاً فهو الذي يعلمك:
[الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ](5).
وإن كنت ضالاً فهو الذي يهديك:
[وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى](6).
وليس معنى هذا :
أن تقف مكتوف اليدين فلا ترفع جهلك بالتعلم، أو تذهب فقرك بالتجارة والعمل، أو تشفي مرضك بالتداوي والحمية.
لا بل تعلم، واعمل، وتداو، ولكن اعتبر أن كل هذه الأسباب ومن ورائها رب العالمين، الذي يقول للشيء كن فيكون.
[ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ](1).
 
 
أسئلة ومناقشة:
1)     من الأمور التي تتنافى مع التوحيد الاستعانة بغير الله. وضح ذلك من خلال الاستشهاد بآيات القرآن الكريم.
2)     لماذا لا يجوز للمسلم الاستعانة بأي إنسان من دون الله تعالى؟ أقم الحجة العقلية على قولك واستدل بالقرآن الكريم.
3)     الاستعانة لا تكون إلا بالله تعالى. وضح ذلك من خلال حديث نبوي شريف.
4)     ما رأيك فيمن يستعين بأحد الصالحين ظناً منه أنه يدفع عنه الضر؟ أيد ما تقول بدليل من القرآن الكريم.
5) الله تعالى هو المعطي وهو الشافي، وهو الهادي، فكيف توفق بين ذلك وبين حث القرآن الكريم على الأخذ بالأسباب، والسعي لتحقيق الأهداف. في الحياة؟
 
تشريع ما لم يأذن به الله:
من الصور التي تتنافى مع توحيد الله ابتغاء غيره حكماً، واتخاذ غيره مشرعاً ومقنناً؟
إن من حق الله تعالى الخالق للناس، والموجد لهم، والمنعم والمتفضل عليهم، أن يحل لهم ما يشاء، ويحرم عليهم ما يشاء، كما أن له أن يكلفهم بما أراد، وليس لهم أن يعترضوا عليه أو يعصوه في شيء.
إن الحلال يترتب على فعله الثواب ،والحرام يترتب على فعله العقاب .
والذي يملك الثواب، ولديه القدرة على العقاب هو الله رب العالمين.
لذلك كان التحليل والتحريم له وحده، وليس لأحد أن يقول برأيه: هذا حلال وهذا حرام.
وليس لأحد أن يوجب أمراً لم يوجبه الله، ومن أعطى حق التحليل والتحريم لغير الله يكون قد عبده من دون الله، أو شاركه معه في عبادته.
إن الله هو الذي خلق الناس ورزقهم، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، فمن حقه وحده أن يكلفهم، وأن يأمرهم وأن ينهاهم، وأن يحل لهم ، ويحرم عليهم، ومن هنا يتضح أن حق التشريع المطلق لا يعطى لفرد أو جماعة، فيحلون ويحرمون ما شاءوا، ويشرعون من الأنظمة والقوانين ما أرادوا ، بل هو من حق الله تبارك وتعالى وحده لا يشاركه فيه أحد.
ألا يعلم من خلق:
إذا كانت لديك سيارة وأردت أن تهيئ لها أسباب الحفظ والصيانة والبقاء فإنك لا تذهب إلى مهندس مصنع الطابوق لتستشيره في ذلك.
ولكنك تذهب إلى مهندس الشركة الصانعة، أو الوكالة البائعة، فهي أدرى بسيارتك، وأعرف بأسباب حفظها وصيانتها.
وإذا كنت في شأن سيارتك لا تستعين فيما يصلحها إلا بصانعها لأنه أعلم بها وأدرى.
فكيف تطمئن لغير خالق الإنسان أن يضع له من التشاريع ما يسعده ولا يشقيه ويعزه ولا يذله، وينفعه ولا يضره، ويهديه ولا يضله.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
فإذا فسدت الحياة واختلت الموازين، وابتلى المؤمنون بمن نصب نفسه رباً ومشرعاً من العلماء أو العباد أو الأمراء أو الحكام، فيجب التصدي لهؤلاء ومحاربتهم وعدم السمع والطاعة لهم، وإلا كنا من المعنيين بقوله تعالى:
[اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ](1).
ولقد سمع حاتم الطائي النبي  صلى الله عليه وسلم  يقرأ هذه الآية، قال: فقلت يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم فتحلونه؟
فقلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم.(1)
نظرة في الآية والحديث:
إن الآية السابقة وما فسرت به من حديث النبي  صلى الله عليه وسلم ، تدلنا في جلاء ووضوح، على أن من أطاع غير الله مخالفاً بطاعته شرع الله، فقد جعله شريكاً لله، وهذا يتعارض مع التوحيد، ويتنافى مع إخلاص العبودية لله رب العالمين، ويعتبر من الشرك الذي حذرنا الله منه ونهانا عنه بقوله:
[وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ](2).
إن التشريع لا يكون إلا لله، والتحاكم لا يكون إلا لله، فمن اتبع شرع غير الله أو تحاكم إلى غير حكم الله، فإليه نوجه قول الله تعالى:
[أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ](3).
وقوله تعالى:
[فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً](4).
الطيرة والتطير:
والمقصود بهما التشاؤم من بعض الأشياء كالأصوات المسموعة أو الأشكال المرئية، أو الكلمات المنطوقة.
وذلك كأن يسمع الإنسان صوت غراب، أو تقع عينه على قرد مثلاً، أو تدخل أذنه كلمة فيها عسر أو مشقة أو حزن، أو غير ذلك من الكلمات، فيتخذ من ذلك وسيلة للتطير وسبيلاً للتشاؤم.
والتطير يعتبر نوعاً من الشرك المنافي للتوحيد، إذا رد الإنسان عن بغيته ووقف به دون مسيرته، وهو من عمل الشيطان حيث إنه هو الذي يوحي ويوسوس به.
ولقد قص القرآن الكريم تطير بعض الأمم من أنبيائهم فيقول عن قوم صالح:
[اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ](5).
وعن فرعون وقومه إذا أصابتهم سيئة:
[يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ](6).
وكان الأنبياء يصححون لأقوامهم فهمهم فيقولون لهم:
[طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ](1).
أي إن كفركم وعنادكم ومخالفتكم لله ورسوله هي سبب شؤمكم وتطيركم.
من أين يأتي التطير:
إن ضعف الإيمان، واهتزاز اليقين، وعدم الثقة بالنفس، هو الذي يجر الإنسان للتطير، ومن ثم إلى التحير، وإلا فما دخل غراب ينعق، أو بوم يصيح في مقادير الله التي قدرها على عبداه وأرادها لهم؟!
وهل نستطيع كتم أنفاس الغربان، أو القضاء على فصيلة البوم، حتى تتحقق للإنسان سعادته، ويتم له سروره وهناؤه؟
شخصية مهتزة:
إن الذي ينزعج من صوت طائر، أو يهتز وينهار من رؤية شيء معين أو سماع كلمة معينة، إنسان فيه ضعف يجب ألا يستسلم له، وفيه عقدة يجب أن يحلها بدينه ويقينه.
روى الإمام أحمد أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال :[ من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، فقالوا: وما كفارة ذلك، قال: أن تقول اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك](2).
ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال : ذكرت الطيرة عند رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال :[ أحسنها الفأل، ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك](3).
من هنا يعلم المسلم:
أن في الطيرة سوء ظن بالله وتوقع للبلاء.
وفي التفاؤل حسن ظن بالله وانتظار للخيرات.
فكن متفائلاً ، ولا تكن متشائماً.
وكن متخيراً ولا تكن متطيراً.
واستعن بالله، وتوكل عليه ولا تعجز، وامتثل قوله تعالى:
[فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ](4).
الحلف بغير الله:
المستحق للتعظيم هو الله العظيم، وكل عظمة مستمدة من عظمته.
إن القسم تعظيم، والتعظيم عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله رب العالمين.
إن الله هو الذي يرجى ثوابه، ويخاف عقابه، وتنتظر رحمته، ومن تمام عبودية المسلم، ألا يعظم أحداً غير الله، وألا يجري على لسانه الحلف بغيره.
فلا يجوز له أن يحلف بالكعبة المشرفة، أو الوالد العزيز، أو الابن الغالي، أو الأجداد العظام، أو الرسل المقربين، أو الملائكة البررة أو غير ذلك مما يمكن تعظيمه أو الحلف به.
من حلف بغير الله فقد أشرك:
إن من الأمور التي تتنافى مع التوحيد الحلف بغير الله، ومن فعل شيئاً من ذلك فقد فتح على نفسه باباً أو نافذة من نوافذ الشرك.
عن عمر بن الخطاب t، أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال:
[ من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك](1).
 وقال  صلى الله عليه وسلم  :[ لا تحلفوا بآبائكم، ومن حلف له بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله](2).
حفظ الإيمان:
وحتى الحلف بالله سبحانه فالمسلم منهي عن الإكثار منه واللغو به.
قال تعالى :
[وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ](3).
ومن ظن أن حلفه يسهل له البيع والشراء، ويجلب له المال والثراء فظنه هباء.
ولقد هدد النبي  صلى الله عليه وسلم  هؤلاء الحالفين من أجل الترويج والكسب فقال:
[ الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب ](4).
وقال: [ ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، وعد منهم: رجل جعل بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه](5).
وكان هذا التهديد لأن الحلف في هذه الحالة مظنة للتغرير في التعامل، ولأن فيه زوال تعظيم اسم الله من القلب، لتكرار الحلف في غير موطنه.
هل على من حلف بغير الله وفاء؟
ليس على من حلف بغير الله وفاء ولا كفارة، ولكن على الحالف أن يستغفر الله ويتوب إليه وأن يقول ما قاله النبي  صلى الله عليه وسلم  : [ من حلف وقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله](6).
 
أسئلة ومناقشة:
1.     لماذا لا يجوز للمسلم أن يحلل أو يحرم شيئاً لأحد من الناس؟ وضح ذلك.
2. ما رأيك فيمن يدعي لنفسه حق التشريع من الأمراء والحكام؟ وما الموقف الذي يجب على الأمة أن تقفه إزاء تصرفهم هذا؟
3.     التشريع حق من حقوق الله تعالى لا يجوز لأحد منازعته في ذلك. وضح هذه العبارة.
4.     ما معنى الطيرة والتطير؟ اضرب ثلاثة أمثلة على ذلك من واقع الحياة.
5.     ما السبب الذي يحمل بعض الناس للاعتقاد في الطيرة والتطير؟
6.     بين أثر الاعتقاد بالتطير على سلوك الإنسان في الحياة؟
7.     الطيرة والتطير نوع من أنواع الشرك. وضح ذلك مستشهداً بحديث النبي  صلى الله عليه وسلم .
8.     هل يجوز الحلف بغير الله؟ وضح ذلك مستشهداً بحديث الرسول  صلى الله عليه وسلم .
 
السحر:
عرف الناس السحر من القديم، واحتل السحرة منزلة عظيمة لدى الحكام، حيث اعتمدوا عليهم في تبرير ظلمهم للعباد، ومد سلطانهم على الناس، فهذا فرعون قد اعتمد عليهم في خصومته مع موسى عليه السلام قال تعالى:
[فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ](1).
وقد انطلت أعمال السحرة على الكثير من الناس، حتى اعتقد بعضهم أن الساحر يستطيع القيام بأعمال خارقة للعادة، مع أن ما يقوم به لا يعدو أن يكون تمويهاً يستغل به جهل الناس عن طريق الحيل التي يقوم بها، فهو لا يستطيع تغيير حقائق الأشياء، وقد وضح ذلك في قصة سحرة فرعون مع موسى عليه السلام حيث ألقوا حبالهم وعصيهم أمام الناس، وأثروا على أنظارهم وعقولهم فخيل إليهم أنها حيات تسعى، مع أنها ما تغيرت عن حقيقتها، فلما جاءت الحقيقة، ورأى السحرة عصاة موسى تلقف ما صنعوا من الحبال أدركوا أن ذلك يختلف عن عملهم، وأنه لا يكون لإنسان عادي، بل لا يكون إلا للأنبياء، فألقوا بأنفسهم سجداً وآمنوا برب موسى وهارون برغم ما ينتظرهم من العذاب على يد الطاغية فرعون. قال تعالى:
[قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى* قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى  * فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى](2).
إن هذه القصة توضح أن السحرة كانوا يقومون بأعمال يوهمون الناس فيها بتحول الأشياء، ويسيطرون على أبصارهم وعقولهم، وتبين أن ما يقومون به لا يقف أمام الحقيقة، بل هو ضرب من التخيلات والأوهام.
حقيقة السحر :
السحر حيل صناعية، تكتسب عن طريق المران والتعلم، كلها تخيلات لا حقيقة لها، ولكنها تؤثر في بعض القلوب، وتطغى على بعض العقول، فتولد المحبة أو البغض، والآلام أو الأسقام، وتؤدي في بعض الأحيان إلى التفرقة بين المرء وزوجه، ولذلك اعتبر من الأمور التي تتنافى مع الإيمان.
ولقد حذرنا من الإسلام، واعتبر العمل فيه من الشرك، وأمرنا بالاستعاذة منه فقال تعالى:
[قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ](3).
والنفاثات في العقد هن السواحر يعقدن في سحرهن، وينفثن في عقدهن.
لماذا كان السحر شركاً:
وكان السحر شركاً لأن صاحبه يستعين بغير الله من الجن والشياطين والنجوم، ولذلك جاء في الحديث الشريف:
[ من نفث في عقدة فقد سحر ومن سحر فقد أشرك](1).
وقال العلماء:
الساحر لا خلاق له في الآخرة، وقيل ليس له دين، وذلك اعتماداً على قوله تعالى:
[وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ](2).
وقوله تعالى :
[وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى](3).
عقوبة الساحر:
إن الساحر الذي بلغ بسحره مبلغ الكفر يقتل بالإجماع، ففي صحيح البخاري عن بحالة بن عبدة قال:"كتب إلينا عمر بن الخطاب t: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال فقتلنا ثلاث سواحر"(4).
وعن جندب قال : " حد الساحر ضربه بالسيف"(5).
وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها:" أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت".
وكان هذا العقاب الرادع تطهيراً للمجتمع من شرور السحر والساحرين كما أن حرمة السحر لا تقع على الساحر وحده، وإنما تشمل كل مؤمن بسحره أو مشجع له، وتشتد الحرمة حين يستعمل السحر في الإفساد، وفي الأغراض المحرمة، كالتفريق بين المرء وزوجه ، والإضرار بالأنفس والأبدان.
وبالإضافة إلى هذه المفاسد التي يولدها السحر في المجتمع فإنه يؤثر على عقول الناس ويحول دون التفكير السليم، ويقود الناس إلى التعلق بالأوهام والخرافات وترك الأخذ بالأسباب في الحياة، فيقعدهم عن العمل الجاد المنتج ويحول بينهم وبين التصور السليم لسنن الحياة ومجرى الأحداث فيها.
الكهانة والعرافة:
لم يغيب الله أقداره عنا عبثاً ودون حكمة أو علة، ولكنه غيبها ليسير الإنسان في طريقه الذي أراده الله له من غير تذبذب أو اضطراب أو تقهقر، والمسلم يترك علم الغيب لله رب العالمين، فلا يلجأ إلى كاهن أو عراف يرجم له بالغيب ويضلل في المقادير.
 
تعريف الكهانة:
والكهانة هي ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض اليوم أو غداً.
والكاهن والعراف سواء، وهو الذي يدعي معرفة الغيوب الماضية أو المستقبلة ويدعي استكناه ما في الصدور من مغيبات الأمور، سواء كان ذلك عن طريق الاتصال بالجن، أو النظر في النجوم، أو سوى ذلك مما استحدثوه واستخدموه.
ولقد نهى الإسلام عن إتيان الكهان والعرافين فقال  صلى الله عليه وسلم :[ من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماًَ](1).
وهذا الوعيد مرتب على إتيان الكاهن سواء صدقه أو شك في خبره، لأن إتيان الكاهن في حد ذاته منهي عنه أصلاً.
فقد جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي: قلت يا رسول الله إن منا رجالاً يأتون الكهان. قال: [ فلا تأتهم](2).
وإذا كان جزاء السائل عدم قبول صلاته أربعين يوماً فما بالك بالكاهن نفسه والعراف ذاته.
إن جزاءهما أشد، وعقابهما أنكى.
إن الغيب لا يعلمه إلا الله قال تعالى:
[قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ](3).
فلا الملائكة ولا الجن، ولا البشر يعلمون الغيب، وأعلن ذلك النبي  صلى الله عليه وسلم  بالنسبة لنفسه في قول الله تعالى:
[قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ](4).
وأيقنت الجن أنهم لا يعلمون الغيب في قوله تعالى:
[فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ](5).
فلقد مات نبي الله سليمان وهو جالس على كرسيه، ومتكئ على عصاه والجن المسخرة له تعمل وتعمل، ولم تعلم بموته إلا حين تآكلت عصاه فوقع على الأرض.
حقيقة:
إن الذين يدعون علم الغيب كاذبون، والذين يصدقونهم موهومون وجاهلون.
 فعلى المسلم أن يتحرر من همزات الشياطين، وأن يتعوذ منها بالله رب العالمين، وألا يأتي الكهان أو العرافين، سواء كان من المصدقين لهم أو المكذبين أو الشاكين.
قال  صلى الله عليه وسلم  : [ من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد](1) صلى الله عليه وسلم .
وذلك لأن الذي أنزل على محمد  صلى الله عليه وسلم  أن الغيب لا يعلمه إلا الله.
ويكفى يقيناً للمسلم أن يقرأ قول الله تعالى:
[وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ](2).
الذبح لغير الله:
أنعم الله تعالى على عباده بالأنعام من إبل وبقر وغنم وضأن، وجعلها مسخرة لهم في هذه الحياة، يشربون من لبنها، ويأكلون من لحومها، ويحملون عليها أثقالهم من مكان إلى مكان، ويمتطون ظهورها في سفرهم، ويستفيدون من أصوافها وأوبارها وأشعارها، في صناعة أمتعتهم، وفرشهم وأغطيتهم. قال تعالى:
[وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ](3).
فإذا أقدم الإنسان على نحرها، كان حقاً عليه أن يذكر اسم الله تعالى عليها اعترافاً بفضله عليه في هذه النعمة، وشكراً على تذليلها له.
وقد طلب الله تعالى ذلك من رسوله  صلى الله عليه وسلم  في قوله:
[فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ](4).
ملعون من ذبح لغير الله:
لقد كان المشركون يعبدون الأصنام، ويتقربون إليها بذبائحهم، فأبطل الله ذلك ونهاهم عنه وحرم ( ما أهل لغير الله به) وهو ما ذكر عليه غير اسم الله كالصنم، أو الصليب ، أو عيسى، أو موسى ، أو غير ذلك من الأسماء.
روى عن علي بن أبي طالب t قال : لما نزل قول الله تعالى: ( فصل لربك وانحر) حدثني رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بأربع كلمات : [ لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والديه ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منار الأرض](5).
إن تقديم القرابين، وذبح الذبائح لغير الله من الشرك، قل ذلك أو أكثر صغر أو كبر.
فعن طارق بن شهاب t أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال : [ دخل الجنة رجل في ذباب قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟
قال مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب إليه شيئاً فقالوا لأحدهما قرب قال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا له قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله فدخل النار.
وقالوا للآخر قرب فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة](1).
حرمة أكل هذا المذبوح:
لقد حرم الإسلام أكل ما أهل لغير الله به، حماية للتوحيد، وتطهيراً للعقائد ومحاربة للشرك والوثنية في معقل من معاقلها.
لقد خلق الله الإنسان، وذلل له الحيوان، وروضه له، لينتفع به، وأباح له ذبحه بإذن منه، ورضى بما يصنع، فإذا ذكر اسم غيره عليه فقد أبطل ذلك الإذن، وتعدى حدوده، وخالف أمره، واستحق أن يحرم من ذبيحته، وأن تحرم عليه وعلى غيره من الموحدين.
قال تعالى:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ](2).
 
أسئلة ومناقشة عامة:
1- تقوم العقيدة الإسلامية على توحيد الله، اذكر آية من القرآن الكريم تدل على ذلك.
2- هل تستقيم الحياة بوجود إلهين؟ دلل على ما تقول.
3- ما معنى توحيد الله؟ وما المقصود بما يأتي؟
   ( أ )توحيد الربوبية.
   ( ب)توحيد الألوهية.
   (ج) توحيد الأسماء والصفات.
4- أقر الإنسان بربوبية الله وأثبت معه الشفعاء والأرباب فهل يفيده ذلك الإقرار، اذكر آية من القرآن الكريم تدل على ذلك.
5- ما الذي يستفيده المسلم من توحيد الأسماء والصفات؟
6- متى يكون التوحيد كاملاً غير منقوص؟
7- اشرح ما يأتي مستدلاً على ما تقول بآية كريمة أو حديث شريف.
(أ) التوحيد أساس الإسلام وشعاره.
(ب) التوحيد حق الله على العباد.
(ج) التوحيد رسالة المسلم، والأمة المسلمة، ودعوة كل نبي ورسول.
8- يتحقق التوحيد بما يأتي:
(أ) العبودية الخالصة لله.
(ب) اجتناب الطاغوت.
(ج) التعرف على أنواع الشرك للبعد عنها.
فما معنى؟
العبودية الخالصة لله؟ وما معنى الطاغوت؟ وما هو الشرك؟ اذكر نوعين من الشرك.
9- من الصور التي تتنافى مع التوحيد:
(أ) تشريع ما لم يأذن به الله.
(ب) الطيرة.
(ج) الكهانة والعرافة.
        اشرح كل صورة من هذه الصور مستدلاً بآيات من القرآن الكريم.
10- رجل ذبح عصفوراً لغير الله، ورجل ذبح جملاً فهل يتساويان؟
11- حلف رجل بأبيه أو بالكعبة فهل يأثم في ذلك، وهل عليه الوفا بما حلف، وهل لذلك كفارة؟
 
الفصل الخامس
آثار التوحيد في الحياة
أولاً : تحرير الإنسان.
ثانياً : تكوين الشخصية المتزنة.
ثالثاً : الأمن النفسي.
رابعاً : الإخاء والمساواة.
 
آثار التوحيد في الحياة
مقدمة:
حين تعيش عقيدة التوحيد الخالص في أعماق النفس، وتستقر في حنايا القلب، ويحيا المؤمن في ظلالها الوارفة، وأنوارها الساطعة، فإنها تضفي على صاحبها فرداً كان أو أمة، أعمق صفات الكمال، وتلبسه أروع ثياب الطمأنينة، وتملأ دنياه بالسعادة والأمان، وآخرته بالفوز والنجاة.
وكما أن البذرة الصالحة إذا وضعت في أرض طيبة جاءت بأكمل الثمار وأنضجها، فكذلك كلمة التوحيد، إذا حلت قلب المؤمن فإنه يرى بنور الله ويتصرف وفق إرادته، ويتحول من كم مهمل لا يحسب له حساب، إلى قوة هائلة وطاقة كبيرة يعمل لها ألف حساب.
قال تعالى:
[أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ](1).
وروى الطبراني بإسناده عن الحارث بن مالك الأنصاري، أنه مر برسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال له :[ كيف أصبحت يا حارث؟ قال: أصبحت مؤمناً حقاً، انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: يا حارث عرفت فالزم ثلاثاً](2).
 من هذا نرى أن للتوحيد آثاراً طيبة، وثماراً يانعة، وقدرة على صبغ أعمال المسلم كلها بالصبغة الربانية التي تكسبها الطهر والنقاء، والدوام والبقاء ومن هذه الآثار ما يلي:
1- تحرير الإنسان.
2- تكوين الشخصية المتزنة.
3- مصدر لأمن النفس الإنسانية.
4- أساس الإخاء والمساواة.
أولاً – تحرير الإنسان:
لا إله إلا الله :
هي كلمة الإسلام الأولى التي دعا الله إليها جميع الخلق، وكل البشر وخاطب بها العقول والقلوب، وبث أدلتها في السماء والأرض، وسوف يحاسب عليها الناس أجمعين في يوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وكلمة التوحيد هي التي رفعت مقام الإنسان، ووضعته موضع التكريم الذي خصه الله به في كتابه حين قال:
[وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً](1).
وهي التي حررته من عبادة الإنسان، والحيوان، والجماد، وغير ذلك من المعبودات التي ازدحمت بها الحياة قديماً وحديثاً، وجعلت عبادته خالصة لله وحدة لا شريك له.
قال تعالى :
[وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ](2).
وقد حررت عقيدة التوحيد الإنسان مما يلي:
(أ)حررته من العبودية لغير الله تعالى:
فمن يعتقدها ينخلع من كل ولاء للجاهلية ويعطي ولاءه كاملاً للقيادة المسلمة، ويتمرد على كل قانون غير قانون الله، وشرع غير شرعه،وهذا يجعله يتحرر من عبادة العباد ليكون عبداً لرب العباد،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وتتكون لديه الشخصية الإسلامية المستقلة التي تجعل الأفكار سلوكاً في واقع الحياة.
(ب) حررته من الخوف على الرزق والأجل:
وذلك لأنها تغرس في قلب المؤمن من أول لحظة، أن الرزق مقدر من عند الله، وأنه لا يزيد ولا ينقص لا يزيد بالجبن والخوف والقعود عن الجهاد وعن قول الحق، ولا ينقص بالشجاعة والإقدام والجرأة في الحق.
إلى جانب ذلك فإن هذه العقيدة تقرر أن الأجل مقدر أيضاً، فلا يزيد ولا ينقص، لا يزيد بالخوف والابتعاد عن المعارك، ولا ينقص بالشجاعة وخوض غمار الحروب.
قال تعالى:
[وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ](3).
وقال:
[وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا](4).
وبالنسبة للأجل يقول تعالى:
[أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ](5).
وقال تعالى:
[لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ](1).
وحين تتفاعل هذه العقيدة في نفس صاحبها، ويعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فإن هذا يجعله قوياً لا يخشى في الله لومة لائم، ولا سجن طاغية، ولا ظلم مستبد، ويتحرر بذلك من كل خوف على الرزق والوظيفة، ويعيش عزيزاً بإيمانه، مستعلياً بإسلامه، قوياً بالله؛ لأنه يلوذ به ويحتمي بحماه.
(ج) حررته من الشح والبخل:
حيث نفثت في روعه أن المال الذي في يده هو مال الله، فإذا تصرف فيه فعليه أن ينفقه في طاعة الله سبحانه، ويقوم بأداء حقوق الفقراء والمساكين والأقارب والأرحام التي رتبها الله في ماله.
تقوده هذه العقيدة إلى الاعتقاد بأن الصدقة تبارك المال وتنميه، وتكون سبباً في نيل رضوان الله تعالى، وحين تخالط هذه العقيدة قلب الإنسان تجعله يتحرر من الشح الذي يغزو القلوب والنفوس الضعيفة، ومن الأدلة الناصعة على ذلك، ما حدث للأنصار حين اعتنقوا هذه العقيدة، حيث أشركوا إخوانهم المهاجرين في أموالهم ودورهم، وكل ما يملكون، فاستحقوا المدح من الله في كتابه الكريم حيث قال:
[وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ](2).
(د) حررت نفسه من الجزع والظلم والأنانية:
إن الإنسان إذا انسلخ من هذه العقيدة يعود كالحيوان، لا تقيده قيم، ولا ينضبط لمقياس، ويصبح همه إشباع غروره وشهواته، فيظلم الناس، ويفتري عليهم.
ولقد وصل ظلم الإنسان لأخيه الإنسان في الجاهلية إلى درجة مؤلمة حيث قالوا: [ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً] انصره سواء كان على حق أو كان على باطل.
وفي العصر الحاضر نجد الرأسمالية تمتص دماء الطبقة العاملة، والشيوعية تسفك دماء الطبقة المالكة، وتستولي على أموالهم وممتلكاتهم زوراً وبهتاناً.
ونجد الدول القوية تستولي على خيرات الدول الضعيفة تاركة إياها نهباً للفقر والجوع والبؤس.
أما حين تسود العقيدة الإسلامية (عقيدة التوحيد) وتستقر في النفوس فإنها تحررها من الجشع والأنانية والظلم، بل إن هذه العقيدة تدعو في جملتها إلى إنقاذ المظلومين والدفاع عنهم، ونشر العدل في ربوع العالمين.
 
 
(هـ) حررت عقله من الخرافات والأوهام:
تغرس هذه العقيدة في نفوس الناس أن النافع والضار هو الله، والمحيي والمميت هو الله، فلذلك لا استعانة ولا لجوء لغير الله سبحانه،بل تعتبر شريعة الإسلام هذه الاستعانة بغير الله شركاً، قال  صلى الله عليه وسلم : [إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله](1).
ولقد حرم الإسلام الأدعية التي تستعين أصحابها بالجن أو الأولياء أو الصالحين، أو المرسلين، كما حرم التمائم، وهى عن تصديق العراف والكاهن أو السعي إليهما، واعتبر ذلك كفراً، قال  صلى الله عليه وسلم  : [ من أتى كاهناً فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد](2).
فأي خرافة أعظم من أن يعتقد الإنسان النفع الضر، من شجر أو حجر، أو حدوة فرس كما يفعل بعض الجهلاء في هذه الأيام.
من هذا نعلم أن كلمة التوحيد لها أثر عظيم، فقد حررت صاحبها، من أن يعبد غير الله أو يتجه إلى أحد سواه.
وحررته من سطوة المال والبنين والأزواج...
ومن الخوف على أجله ورزقه...
ومن الجزع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره...
 ومن الغفلة وعدم مراقبة الله وخشيته...
ومن التوكل على غيره والاعتماد على سواه...
ومن الذلة والضعف والقعود عن الجهاد...
ومن كل ما يسيء إليه وإلى المجتمع، وإلى الإنسانية كلها، وأرادت له أن يكون عقيدة تمشي على الأرض، ودعوة صالحة تتحرك في شعاب الحياة.
 
أسئلة ومناقشة:
1- من آثار التوحيد الأمور التالية:
(أ)               (ب)
(ج)              (د)
2- ( لا إله إلا الله) حررت الناس من الأمور التالية:
(أ)               (ب)
(ج)                        (د)
(هـ)                       (و)    
(ز)                         (ح)
3- لقد حررت عقيدة التوحيد الإنسان من عبادة غير الله. وضح ذلك مع الاستشهاد بدليل من القرآن الكريم.
4- ما رأيك في التصرفات التالية مع التعليل:
(أ) رجل أحجم عن الخروج للجهاد في سبيل الله خوفاً من الموت.
(ب) موظف ينافق رئيسه خوفاً على رزقه.
(ج) إنسان يجزع إذا ما أصابته مصيبة.
(د) إنسان يتوكل على غيره لتحقيق أهدافه.
(هـ) إنسان قانط من رحمة الله تعالى.
5- إذا ما رسخت عقيدة التوحيد في القلوب جعلت صاحبها كأنه إسلام يسير على الأرض، وضح ذلك من خلال الاستشهاد بآية من القرآن الكريم.
 
ثانياً : تكوين الشخصية المتزنة:
إذا تبينت غاية المسلم، واتضحت وجهته، وعرف أن له رباً عظيماً، وإلهاً قديراً يلجأ إليه في السراء، ويستعين به في البأساء. ويشكره في الرخاء، ويحمده في السراء. فإنه بهذا الاعتقاد يكتسب شخصية قوية لا تزعزعها الأعاصير، ونفسية عزيزة لا تميلها الأغراض والأهواء، ولا يسيل لعابها لأي غرض من أغراض الحياة.
ورد في الأثر أن النبي  صلى الله عليه وسلم  خرج على أصحابه يوماً، وفيهم عمر بن الخطاب فقال لهم:[ أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا فقال عمر بن الخطاب: مؤمنون يا رسول الله، قال : وما علامة إيمانكم؟ قال: نشكر على الرخاء، ونصبر على البلاء، ونرضى بالقضاء فقال عليه السلام: مؤمنون ورب الكعبة].
إن شخصية المسلم متزنة لا يبطرها الغنى، ولا يسخطها الفقر، ولا يخرجها أي أذى أو ضر عن الرضا بقضاء الله وقدره.
والذي يتجه إلى إله واحد يعبده ويوحده يحيا مستريح النفس، هادئ القلب.
والذي يشرك مع الله أرباباً فهو كما صوره القرآن الكريم في قوله تعالى:
[وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ](1).
 إن الرب الواحد خير من الأرباب المتفرقة.
قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام:
[أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ](2).
كما أن العبد حين يكثر أسياده يحيا في تشتت واضطراب، ولا يدري لمن يسمع ويطيع، ومع من يتجه ويسير.
قال تعالى:
[ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً](3).
لهذا كان الذي يعبد إلهاً واحداً، يتمرد على كل ما يدعي من دون الله، ويتبرأ من كل شرع غير شرعه، ويتحرر من عبادة العباد إلى عباد رب العباد، ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
ومن ثم تتكون لديه الشخصية المتزنة، والأفكار المستقيمة، التي يتحول بممارستها إلى عقيدة تمشي على الأرض، ودين يتحرك بين الناس، فيؤثر فيهم بالقدوة الحسنة والأسوة الطيبة والسلوك المستقيم.
 
 
ثالثاً – الأمن النفسي:
التوحيد حين يتمكن من قلب الإنسان يكسبه الأمن والأمان، والراحة والاطمئنان، فبعد أن كان خائفاً من كل شيء، وقلقاً لأي شيء يصبح آمنا من كل شيء، ومطمئناً على كل شيء.
يصبح آمناً من كل ما يخاف منه أو عليه الناس، فهو لا يخاف من إنس أو جن أو ظالم، ولا يخاف على رزق أو أجل.
إن تذكر الأجل قرأ قول الله تعالى:
[وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً](1).
وإن تذكر الرزق قرأ قول الله تعالى:
[وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا](2).
وإن تذكر مصائب الحياة، وما يقع فيها من أعباء، وما ينزل من أرزاء قرأ قول الله تعالى:
[مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ](3).
وقرأ قوله:
(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا)(4).
وقرأ قوله:
[الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ](5).
إن المسلم حين يتفاعل مع دينه، وينسجم مع عقيدته، ويعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، يقدم ولا يحجم، ويبذل ولا يبخل، ويعطي ولا يمنع، ويطمئن ولا يخاف، ويأمن ولا يفزع إنه يعيش دائماً عزيزاً بإيمانه، مطمئناً بيقينه، محفوظاً بعناية ربه.
رابعاً – أساس الإخاء والمساواة:
كما كان التوحيد أساساً لحرية الإنسان، وسببًا في اتزان شخصيته
، ومصدراً لأمن نفسه واطمئنان قلبه، فإنه كذلك أساس الإخاء والمساواة بين الخلق جميعاً، لأن الناس حين تتحقق فيهم العبودية لله، فقد تحقق فيهم كل خير.
حين تتعدد الأرباب وتتنوع الآلهة، فإنه يضيع في هذا الزحام كل معنى جميل، وفكر أصيل، وتتبدد صور الإخاء والمساواة، ويتحول الناس إلى أشباح من غير أرواح، كل واحد منهم يقول أنا.
توحيد الاعتقاد يوحد بين العباد:
 حين يكون التوحيد هو القائم بين العباد، وهو الأرضية الصلبة التي يقفون ،ومنها يتحركون، وينطلقون، فإنهم يتحولون إلى أمة واحدة، كما قال تعالى:
[إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ](1).
لأن التوحيد في الاعتقاد يؤدي إلى التوحيد بين أفراد الأمة وإلى التقارب بين العباد، ويخلق مجتمعاً قوياً متماسكاً يشد بعضه بعضاً، كما أشار إلى ذلك قول النبي  صلى الله عليه وسلم  : [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً](2).
وقوله عليه السلام:
[مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى](3).
 ويكون مرآة صافية يرى المؤمن فيها نفسه، ويرى إخوانه، فيصلح من عيوبهم ويقلل من ذنوبهم، ويمنع عنهم كل ضرر وسوء.
قال  صلى الله عليه وسلم  :
[ المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه](4).
مجتمع العقيدة:
المجتمع في الإسلام يقوم على العقيدة، ومن ثم فلا يفرق بين أفراده اختلاف الألوان وتباين اللغة واللسان.
بل يعتبر ذلك الاختلاف والتباين آية من آيات الله، قال تعالى:
[وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ](5).
كما أن هذا الاختلاف لا يقلل من قيمة أعمالهم، ولا يخفف من حبهم واحترامهم، لأن التقوى فقط هي التي تفرق بين إنسان وإنسان، وهي المقياس الذي يتفاضل بها الناس، قال تعالى:
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ](6).
ولقد حقق النبي  صلى الله عليه وسلم  ذلك عملياً حين كان بين أصحابه وأحبابه، وفيهم الحبشي كبلال ، والفارسي كسلمان، والرومي كصهيب ولم يمنعهم ذلك الاختلاف في اللون واللسان من أن يكونوا في مقدمة الأصحاب، حتى روي عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قوله: [ سلمان منا آل البيت](1).
كما روى قوله  صلى الله عليه وسلم  لأبي ذر t حين عير بلالاً بسواد أمه: قال له:[ يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية](2).
لئن فرق بينهم اختلاف اللون واللسان فقد جمع بينهم الإيمان، وسوى بينهم وبين غيرهم من القرشيين الذين وحدوا الله من آل محمد بن عبد الله  صلى الله عليه وسلم  وأظلتهم مظلة واحدة هي مظلة الإسلام وكانوا جميعاً معنيين بقوله تعالى:
[رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا](3).
وبهذا تكون دعوة الإسلام دعوة عالمية يعيش في ظلها السود والبيض، والصفر والحمر، والعرب والعجم، والشرق والغرب وكل ما خلق الله من الناس على هذه الأرض.
ويجدون في رحابها الحرية والإخاء، والعدالة والمساواة، والمحبة والخير، والسعادة في الدنيا والآخرة.
هذه هي بعض آثار العقيدة الإسلامية، إنها تحرير للنفس الإنسانية وتكوين للشخصية المتزنة، وتحقيق للأمن والطمأنينة واجتماع على كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
 
أسئلة ومناقشة عامة:
1- حين تستقر العقيدة في نفس صاحبها تؤتي ثماراً طيبة نافعة، منها تحرير الإنسان فبين كيف حررت العقيدة الإنسان.
2- المؤمن لا يخاف على اجله لقوله تعالى    [         ].
ولا يخاف على رزقه لقوله تعالى :           [         ].
3- أيهما أقر عيناً وأهدأ نفساً: الذي يعبد إلهاً واحداً أم الذي يعبد آلهة متفرقة ولماذا؟
4- اشرح كيف كان التوحيد مصدراً للأمن النفسي للإنسان.
5- التوحيد أساس الإخاء والمساواة. قال تعالى:       [         ]
قال  صلى الله عليه وسلم           [                   ].
6- هل اختلاف بفرق عند الله بين بني الإنسان؟
7- بم يكون التفاضل بين الناس؟
8- هل تذكر عبارة قالها النبي  صلى الله عليه وسلم  عن سلمان الفارسي؟
9- ماذا قال النبي  صلى الله عليه وسلم  لأبي ذر حين عير بلالاً بسواد أمة.
10- بين كيف كانت دعوة الإسلام دعوة عالمية.

(1)  سورة الحج الآية 31.
(1)  سورة النحل الآية 125.
(2)  سورة فصلت الآيتان 53 – 54.
(1)  سورة المائدة الآية 3.
(2)  سورة الكهف الآية 107.
(3)  سورة مريم الآية 96.
(1)  سورة البقرة الآية 285.
(2)  الدقل – بفتح الدال وسكون القاف – أردأ الثمر.
(3)  سورة الزلزلة الآيتان 7 – 8.
(4)  سورة الأنبياء الآية : 47.
(1)  سورة الأنعام الآيتان : 162 – 163.
(2)  سورة الإسراء الآية 34.
(3)  سورة الضحى الآيات 9 – 10 – 11.
(4)  أخرجه مالك.
(1)  سورة البقرة : 177.
(2)  سورة المائدة الآية 38.
(3)  سورة البقرة الآية 179.
(4)  سورة البقرة الآية 275.
(5)  سورة البقرة الآية 282.
(1)  سورة البقرة الآية 282.
(2)  سورة المائدة الآية 90.
(3)  رواه البخاري وادان بمعنى أخذ ديناً.
(4)  يد الله – أي توفيقه ومعونته وبركته.
(5)  رواه الدارقطني.
(6)  متفق عليه.
(7)  رواه أحمد وأبو داود.
(1)  سورة النور الآية 39.
(2)  ذو النون هو سيدنا يونس عليه السلام، والنون الحوت، نسب إليه لابتلاعه له، حين تألم من شدة عناد قومه، وعدم إيمانهم بالله، فتركهم دون إذن من ربه، وركب البحر فهاجت الريح فألقي به في الماء فالتقمه الحوت وبقى في بطنه فترة من الزمن، وحين ندم واتجه إلى ربه منزهاً ونادماً وتائباً، نجاه الله من الظلمات، وقذفه الحوت من بطنه إلى الساحل " وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ".
(3)  سورة الأنبياء الآيتان 87 – 88.
(4)  سورة الأنبياء الآيات 67 -68 -69 -70.
(5)  سورة الأنبياء الآيتان 83 – 84.
(1)  سورة الرعد الآية 29.
(2)  سورة إبراهيم الآية 23.
(1)  الزبور كتاب داود عليه السلام، وكل كتاب يسمى زبورا – مأخوذ من زبره يزبره زبرا أي كتبه.
(2)  سورة الأنبياء الآية 105.
(3)  سورة يونس الآية 14.
(4)  سورة الفرقان الآية 23.
(5)  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
(1)  سورة النساء الآية 60.
(2)  سورة البقرة الآية 285.
(3) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
(1)  سورة الأعراف الآية 180.
(2)  سورة الأنبياء الآية 25.
(3)  رواه الإمام مسلم في صحيحه.
(4)  سورة مريم الآية 17.
(5)  سورة التحريم الآية 6.
(1)  سورة ق الآية 18.
(2)  سورة التوبة الآية 111.
(3)  سورة الأعلى الآيتان 18 -19.
(4)  سورة الإسراء الآية 55.
(1)  سورة النساء الآية 164.
(2)  سورة الزلزلة الآيتان 7 – 8.
(3)  سورة لقمان 33.
(1)  سورة الذاريات الآية 22.
(2)  سورة الأعراف الآية 34.
(3)  سورة البقرة الآية 285.
(4)  أخرجه مسلم.
(5)  سورة الفاتحة الآيتان 5 – 6.
(1)  سورة الأنعام الآية 13.
(2)  سورة الأنعام الآية 18.
(3)  سورة الأنفال الآية 2.
(4)  سورة الأعراف الآية 179.
(1)  سورة الأحقاف الآية 26.
(2)  سورة آل عمران الآيتان 193 – 194.
(1)  سورة القصص الآية 88.
(2)  سورة الروم الآية 30.
(3)  سورة البقرة الآية 138.
(4)  سورة يونس الآية 12.
(5)  سورة يونس الآية 22.
(1)  سورة الإسراء 67.
(1)  سورة الغاشية الآيات من 17 إلى 20.
(2)  سورة ق الآيات من 6 إلى 10.
(3)  سورة الذاريات الآيتان 20 - 21
(4)  سورة يوسف الآية 105.
(5)  سورة آل عمران الآية 190.
(6)  رواه بن أبي الدنيا في كتاب التفكر.
(1)  سورة القمر الآية 49.
(2)  سورة طه الآية 50.
(1)  سورة الرعد الآية 4.
(1)  سورة الرعد الآية 2.
(2)  سورة الرعد الآيتان 3 – 4.
(3)  سورة المؤمنون الآيتان 78 – 79.
(4)  سورة الرحمن الآيات من 19 إلى 24.
(1)  سورة فاطر الآية 12.
(2)  سورة الشورى الآية 11.
(3)  سورة فاطر آيه 41.
(4)  سورة الطور الآيتان 35 – 36.
(1)  سورة فاطر الآية 41.
(2)  سورة القصص الآيات من 70 – 73.
(3)  سورة الروم الآية 48.
(4)  سورة الرحمن الآيات 19 – 20 – 21.
(1)  دائرة معارف القرن العشرين مجلد (1) ص 496.
(2)  سورة الملك الآيات 3 – 4.
(3)  الله يتجلى في عصر العلم ص 90.
(4)  سورة يس الآيات من 38 – 40.
(1)  سورة محمد الآية 19.
(1)  سورة الجاثية الآية 24.
(2)  سورة الزخرف الآية 87.
(3)  سورة العنكبوت الآية 63.
(4)  سورة يونس الآية 31.
(5)  سورة يونس الآية 18.
(6)  سورة يوسف الآية 106.
(1)  سورة الرعد الآية 28.
(2)  سورة الفاتحة الآية 5.
(3)  سورة هود الآية 123.
(4)  سورة الفرقان الآية 58.
(1)  سورة الأنعام الآية 19.
(1)  سورة الحشر الآيتان 23 – 24.
(2)  سورة الزمر الآية 3.
(3)  سورة المائدة الآية 72.
(1)  سورة المائدة الآية 73.
(1)  سورة الجاثية الآية 24.
(2)  سورة الزمر الآية 3.
(3)  سورة الأعراف الآية 194.
(1)  سورة الحج الآيتان 73 – 74.
(2)  سورة الصمد.
(3)  سورة المؤمنون الآية 91.
(1)  سورة الزمر الآية 11 – 12.
(2)  سورة الحج الآية 78.
(3)  سورة الشعراء الآيات 75 – 76 – 77.
(4)  سورة الشعراء الآيات 78 – 79 – 80 – 81 – 82.
(1)  سورة النساء الآية 36.
(2)  رواه البخاري ومسلم.
(3)  سورة الذاريات الآيات 56 – 57 – 58.
(4)  أخرجه الشيخان.
(1)  سورة آل عمران الآية 64.
(2)  سورة النحل الآية 36.
(3)  سورة الأنبياء الآية 25.
(4)  سورة المؤمنون الآية 23.
(5)  سورة هود الآية 61.
(6)  سورة الأعراف الآية 85.
(7)  سورة الأعراف الآية 65.
(8)  سورة القصص الآية 88.
(1)  سورة يوسف الآية 39.
(2)  سورة الأنعام الآية 164.
(3)  سورة البقرة الآية 165.
(4)  سورة الأنعام الآية 14.
(5)  سورة الأنعام الآية 114.
(1)  سورة البلد الآية 10.
(2)  سورة الشمس الآيتان 7 - 8
(3)  سورة الملك الآية 14.
(4)  سورة يوسف الآية 40.
(5)  سورة النساء الآية 59.
(6)  سورة البقرة الآية 256.
(7)  رواه مسلم.
(1)  سورة الزخرف الآيتان 26 - 27
(2)  سورة الزمر الآية 65.
(3)  سورة الكهف الآية 110.
(4)  سورة النساء الآية 116.
(1)  سور الزمر الآية 3.
(2)  سورة الأنعام الآية 17.
(1)  سورة الشعراء الآيات من 78 إلى 82.
(2)  سورة الفاتحة الآية 5.
(3)  سورة البقرة الآية 186.
(4)  سورة غافر الآية 60.
(5)  رواه أحمد والترمذي.
(1)  سورة الزمر الآية 38.
(2)  سورة فاطر الآيتان 13 – 14.
(3)  سورة الضحى الآية 8.
(4)  سورة الشعراء الآية 80.
(5)  سورة الرحمن الآيات 1 – 2 – 3 – 4.
(6)  سورة الضحى الآية 7.
(1)  سورة الأعراف الآية 194.
(1)  سورة التوبة الآية 31.
(1)  رواه أحمد والترمذي وحسنه.
(2)  سورة الأنعام الآية 121.
(3)  سورة المائدة الآية 50.
(4)  سورة النساء الآية 65.
(5)  سورة النمل الآية 47.
(6)  سورة الأعراف الآية 131.
(1)  سورة يس الآية 19.
(2)  رواه أحمد والطبراني.
(3)  رواه أبو داود بسند صحيح.
(4)  سورة آل عمران الآية 159.
(1)  رواه الترمذي وصححه وحسنه الحاكم.
(2)  رواه بن ماجه بإسناد حسن.
(3)  سورة البقرة الآية 224.
(4)  رواه البخاري ومسلم.
(5)  رواه الطبراني بسند صحيح.
(6)  رواه البخاري.
(1)  سورة الأعراف الآية 116.
(2)  سورة طه الآيات من 66 إلى 70.
(3)  سورة الفلق.
(1)  رواه النسائي.
(2)  سورة البقرة الآية 102.
(3)  سورة طه الآية 69.
(4)  رواه البخاري.
(5)  رواه الترمذي.
(1)  رواه مسلم.
(2)  رواه مسلم.
(3)  سورة النمل الآية 65.
(4)  سورة الأعراف الآية 188.
(5)  سورة سبأ الآية 14.
(1)  رواه أبو داود.
(2)  سورة الأنعام الآية 59.
(3)  سورة المؤمنون الآيتان 21 – 22.
(4)  سورة الكوثر الآية 2.
(5)  رواه مسلم – تغيير منار الأرض ، أي تغيير معالمها.
(1)  رواه أحمد.
(2)  سورة البقرة الآيتان 172 – 173.
(1)  سورة إبراهيم الآيتان 24 – 25.
(2)  رواه الطبراني.
(1)  سورة الإسراء الآية 70.
(2)  سورة البينة الآية 5.
(3)  سورة الذاريات الآية 22.
(4)  سورة هود الآية 6.
(5)  سورة النساء الآية 78.
(1)  سورة الرعد الآية 38.
(2)  سورة الحشر الآية 9.
(1)  رواه الترمذي.
(2)  رواه أبو داود.
(1)  سورة الحج الآية 31.
(2)  سورة يوسف الآية 39.
(3)  سورة الزمر الآية 29.
(1)  سورة آل عمران الآية 145.
(2)  سورة هود الآية 6.
(3)  سورة الحديد الآية 22.
(4)  سورة التوبة الآية 51.
(5)  سورة آل عمران الآية 173.
(1)  سورة الأنبياء الآية 92.
(2)  أخرجه البخاري ومسلم.
(3)  أخرجه البخاري ومسلم.
(4)  رواه أبو داود.
(5)  سورة الروم الآية 22.
(6)  سورة الحجرات الآية 13.
(1)  أخرجه الطبراني في الكبير.
(2)  رواه البخاري.
(3)  سورة آل عمران الآية 193.

وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - إدارة الدراسات الإسلامية